للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فما بال قطع النخل أو تحريقها؟ فكان في أنفس المؤمنين من ذلك شيء، فنزلت يعني أن الله أذن لهم في قطعها ليزيدكم غيظا، ويضاعف لكم حسرة إذا رأيتموهم يتحكمون في أموالكم كيف أحبوا، ويتصرفون فيها كيف شاؤا، وقد صدر هذا ثم ذكر بعد ذلك ما لفظه (١): وروي أن رجلين كانا يقطعان أحدهما العجوة، والآخر اللون، فسألهما رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فقال هذا: تركتها لرسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وقال هذا: قطعتها غيظا للكفار، وقد استدل به على جواز الاجتهاد، وعلى جوازه بحضرة الرسول- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لأنهما بالاجتهاد فعلا ذلك. واحتج به (٢) م يقول: كل مجتهد مصيب انتهى.

وقد طولنا الكلام في السبب لتعلم أن الأحاديث الصحيحة قاضية بأن السبب غير المدعى، وأن الآية خارجة عن محل النزاع، وعندي أنها خارجة عن ذلك على كل وجه، لن الآية كشفت عن أصل الأمر المشكوك فيه وهو الإباحة، فليست على هذا دليلا على محل النزاع، بل هي بمثابة قولك لرجلين قال: أحدهما نمت، وقال الآخر استيقظت، فقلت: لا حرج على كل واحد منكما رجوعا منك إلى استواء فعل النوم وتركه، وأيضا إباحة أموال الكفار الخارجين عن الطاعة معلومة لكل واحد من المختلفين ولغيرهم من الصاحبة قبل هذه الواقعة، فالقطع ليس بالاجتهاد، ويشهد لصحة هذا قوله


(١) أي الزمخشري في الكشاف (٦/ ٧٦ - ٧٧)
(٢) قال القرطبي في «الجامع لأحاك القرآن» (١٨/ ٨): قال الماواردي: إن في هذه الآية دليلا على أن كل مجتهد مصيب. وقاله الكيا الطبري في وإن كان الاجتهاد يبعد في مثله مع وجود النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بين أظهرهم، ولا شك أن رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- رأى ذلك وسكت، فتلقوا الحكم من تقرير فقط.
قال ابن العربي: وهذا باطل، لأن رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كان معهم، ولا اجتهاد مع حضور رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وإنما يدل على اجتهاد النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فيما لم ينزل عليه أخذ بعموم الأذية للكفار، ودخولا في الإذن للكل بما يقضي عليهم بالاجتياح والبوار، وذلك قوله تعالى {وليخزي الفاسقين}