للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أثناء هذا التحرير ذكر أنه يستلزمه بناء على أحد المذاهب. وقد أحلنا هذا على نظر العلامة المعلق على عاتق التحقيق فوائده وأحكامه. قبلة الطلاب، طراز كم المعارف والآداب، والواسع الصدر، الجليل القدر، مورق الحسب، غض المفاكهة في الآداب:

إمام هدى أعيت محاسنه الوصفا ... حري عليه مشكل البحث لا يخفا

العلم الرباني المترجم عن السر الصمداني محمد بن علي الشوكاني جمل الله الأوقات بأفعاله، وحرس مقام الشريعة بهندواني مقاله.

ولنشرع في أصل م دار فأقول: لما حصلت المذاكرة في ذلك قيل لي أولاً: قد ذاكرت بعض المشايخ فقرر ما إليه استدل القائلون بأن الأمر (١) بالشيء ..........................


(١) الأمر: هنا استدعاء الفعل بالقول على وجه الاستعلاء.
صيغ الأمر: وهو مذهب الجمهور من السلف والخلف الصيغ الدالة على الأمر أربع:
١ - فعلا الأمر «إفعل» نحو قوله تعالى {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل} [الإسراء: ٧٨].
٢ - المضارع المجزوم بلام الأمر «ليفعل» نحو قوله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} [النور: ٦٣].
٣ - اسم فعل الأمر مثل قوله تعالى: {عليكم أنفسكم} [المائدة: ١٠٥].
٤ - المصدر النائب عن فعله: {فضرب الرقاب} [محمد: ٤].
وإنما خص العلماء صيغة «إفعل» بالذكر، نظرًا لكثرة دورانه في الكلام.
انظر: «المسودة» (ص ٨ - ٩)، «التبصرة» (ص ١٨)، «اللمع» (ص ٨).
وترد صيغة أفعل لمعان كثيرة:
أحدها: الوجوب: نحو قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلك الشمس إلى غسق الليل} [الإسراء: ٧٨].
الثاني: الندب: نحو قوله تعالى: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا} [النور: ٣٣].
الثالث: الإباحة: نحو قوله تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: ٢].
الرابع: بمعنى (إرشاد): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢].
الخامس: كونها بمعنى (إذن): نحو قول من بداخل مكان للمستأذن عليه: ادخل.
السادس: التأديب نحو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر بن أبي سلمة في حال صغره: «يا غلام سم الله، وكل بيمينك».
السابع: كونها بمعنى (امتنان) نحو قوله تعالى: {وكلوا مما رزقكم} [المائدة: ٨٨].
الثامن: كونها بمعنى (الإكرام) نحو قوله تعالى: {ادخلوها بسلام آمنين} [الحجر: ٤٦].
التاسع: كونها بمعنى (الجزاء) نحو قوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعلمون} [النحل: ٣٢].
العاشر: كونها بمعنى (وعد) نحو قوله تعالى: {وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} [فصلت: ٣٠].
الحادي عشر: كونها بمعنى (تهديد) نحو قوله تعالى: {اعملوا ماشئتم} [فصلت: ٤٠].
الثاني عشر: كونها بمعنى (إنذار) نحو قوله تعالى: {قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار} [إبراهيم: ٣٠].
الثالث عشر: كونها بمعنى (تحسير) نحو قوله تعالى: {قل موتوا بغيظكم} [آل عمران: ١١٩].
الرابع عشر: كونها بمعنى (تسخير) نحو قوله تعالى: {كونوا قردة خاسئين} [البقرة: ٦٥].
الخامس عشر: كونها بمعنى (تعجيز) نحو قوله تعالى: {فأتوا بسورة مثله} [يونس: ٣٨].
السادس عشر: كونها بمعنى (إهانة) نحو قوله تعالى: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} [الدخان: ٤٩].
السابع عشر: كونها بمعنى (احتقار) نحو قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام، يخاطب السحرة {ألقوا ما أنتم ملقون} [الشعراء: ٤٣].
الثامن عشر: كونها بمعنى (تسوية) نحو قوله تعالى: {فاصبروا أو لا تصبروا} [الطور: ١٦].
التاسع عشر: كونها بمعنى (الدعاء) نحو قوله تعالى: {ربنا اغفر لي ولوالدي} [إبراهيم: ٤١].
العشرون: كونها بمعنى (تمن) كقول امرئ القيس: «ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي».
الحادي والعشرون: كونها بمعنى (كمال القدرة) نحو قوله تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} [النحل: ٤٠].
الثاني والعشرون: كونها بمعنى (خبر) نحو قوله تعالى: {فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرًا} [التوبة: ٨٢].
الثالث والعشرون: كونها بمعنى (تفويض) نحو قوله تعالى: {فاقض ما أنت قاض} [طه: ٨٢].
الرابع والعشرون: كونها بمعنى (تكذيب) نحو قوله تعالى: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} [آل عمران: ٩٣].
الخامس والعشرون: كونها بمعنى (مشورة) نحو قوله تعالى: {فانظر ماذا ترى} [الصافات: ١٠٢].
السادس والعشرون: كونها بمعنى (اعتبار) نحو قوله تعالى: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه} [الأنعام: ٩٩].
السابع والعشرون: كونها بمعنى (تعجب) نحو قوله تعالى: {انظر كيف ضربوا لك الأمثال} [الإسراء: ٤٨].
الثامن والعشرون: كونها بمعنى (إرادة امتثال لأمر آخر) نحو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل». فإن المقصود الاستسلام والكف عن الفتن.
التاسع والعشرون: كونها بمعنى (التخيير) نحو قوله تعالى: {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} [المائدة: ٤٢].
الثلاثون: (الاختيار) نحو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا فإنه لا يدري أين باتت يده».
الحادي والثلاثون: الوعيد نحو قوله تعالى: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: ٢٩].
الثاني والثلاثون: الالتماس كقولك لنظيرك: إفعل.
الثالث والثلاثون: التصبر نحو قوله تعالى: {لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: ٤٠].
الرابع والثلاثون: قرب المنزلة نحو قوله تعالى: {ادخلوا الجنة} [الأعراف: ٤٩].
الخامس والثلاثون: التحذير والإخبار عما يئول الأمر إليه نحو قوله تعالى: {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام} [هود: ٦٥].
انظر: «الكوكب المنير» (٣/ ١٧ - ١٨)، «تيسير التحرير» (١/ ٣٣٧ - ٣٣٨)، «جمع الجوامع» (١/ ٣٧٤).