للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على الجزئيات لا على الماهيات المعقولة لاستحالة وجودها في الخارج. ويرد بأنها إنما يستحيل وجودها كذلك مجردة لا مطلقًا؛ لأنها توجد بوجود جزئي لها. انتهى.

فانظر كيف جعل الأمر بالماهية جزئيًّا على أن المراد بوجودها بالخارج وجودها في ضمن مفرداتها المشخصة. وعلى تعريف القاضي زكريا يكون الأمر بها كليًّا. وقد صرحوا بما يؤيد الأول، وقالوا: {أقيموا الصلاة} [١ ب] أمر جزئي من جزئيات الأمر المطلق الذي هو للوجوب حقيقة (١) قال الزركشي في «البحر المحيط» (٣/ ٤١٤ - ٤١٥): قال ابن الخشاب النحوي: النكرة: كل اسم دل على مسماه على جهة البدل؛ أي فإنه صالح لهذا ولهذا. انتهى.

ولا ينبغي ذلك يعني موافقة ابن الحاجب للنحاة، فإن النحاة إنما دعاهم إلى ذلك أنه لا غرض لهم في الفرق؛ لاشترك المطلق والنكرة في صياغة الألفاظ من حيث قبول «أل» وغير ذلك من الأحكام، فلم يحتاجوا إلى الفرق، أما الأصوليون والفقهاء فإنهما عندهم حقيقتان مختلفتان.

أما الأصولي فعليه أن يذكر وجه المميز فيهما، فإنا قطعًا نفرق بين الدال على الماهية من حيث هي هي. والدال عليها بقيد الوحدة غير معينة، كما نفرق بين الدال عليها بوحدة غير معينة، وهو النكرة، ومعينة وهي المعرفة، فهي حقائق ثلاث لا بد من بيانها.

وأما الفقيه، فلأن الأحكام تختلف عنده بالنسبة إليها، ألا ترى أنه لما استشعر بعضهم التنكير في بعض الألفاظ، اشترط الوحدة، فقال الغزالي فيمن قال: إن كان حملها غلامًا فأعطوه كذا، فكان غلامين، لا شيء لهما؛ لأن التنكير يشغر بالتوحيد، ويصدق أنهما غلامان لا غلام، وكذا لو قال لامرأته: إن كان حملك ذاكرًا فأنت طالق طلقتين، فكانا ذكرين، فقيل: لا تطلق، لهذا المعنى، وقيل تطلق، حملاً على الجنس من حيث هو، فانظر كيف فرق الفقهاء بين المطلق والنكرة.

قال الزركشي (٣/ ٤١٥): التحقيق أن المطلق قسمان:

أحدهما: أن يقع في الإنشاء، فهذا يدل على نفس الحقيقة من غير تعرض لأمر زائد، وهو معنى قولهم المطلق هو التعرض للذات دون الصفات لا بالنفي ولا بالإثبات، كقوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} [البقرة: ٦٧].

الثاني: أن يقع في الأخبار، مثل رأيت رجلاً، فهو لإثبات واحد مبهم من ذلك التعيين عند السامع، وجعل مقابلاً للمطلق باعتبار اشتماله على قيد الوحدة.

وعلى القسم الأول ينزل كلام «المحصول» (٣/ ١٤٣). وعلى الثاني ينزل كلام ابن الحاجب (٢/ ١٥٥) وهو قطعي في الماهية، هذا عند الحنفية وظاهر عند الشافعية كنظير الخلاف في العموم، ولاسترساله على جميع الأفراد يشبه العموم، ولهذا قيل: إنه عام عموم بدل، والإطلاق والتقييد من عوارض الألفاظ باعتبار معانيها اصطلاحًا، وإن أطلق على المعاني فلا مشاحة في الاصطلاح، وهما أمران نسيان باعتبار الطرفين، ويرتقي إلى مطلق لا إطلاق بعده كالمعدوم، وإلى مقيد لا تقيد بعده كزيد، وبينهما وسائط.

قال الهندي: المطلق الحقيقي: ما دل على الماهية فقط، والإضافي: يختلف نحو: رجل، ورقبة، فإنه مطلق بالإضافة إلى رجل عالم، ورقبة مؤمنة، ومقيد بالإضافة إلى الحقيقي؛ لأنه يدل على واحد شائع، وهما قيدان زائدان على الماهية.% المعبر عنها في الأصول بالمطلق فهو ما وضع للماهية مطلقًا،


(١) في هامش المخطوط: «وللمحقق شارح المختصر على قول المختصر: إذا أمر الآمر بفعل مطلق نحو: اضرب من غير تعيين ضرب [معين] فالمطلوب الفعل الجزئي ... إلخ.
واعلم أنك إذا وقفت على الماهية بشرط شيء، وبشرط لا شيء، ولا بشرط شيء علمت أن المطلوب الماهية من حيث هي هي لا بقيد الجزئية، ولا بقيد الكلية. ولا يلزم من عدم اعتبار أحدهما اعتبار الآخر، وأن ذلك غير مستحيل، بل موجود في ضمن الجزئيات. قال السعد: قوله: واعلم. يشير إلى أن مبنى كلام الفريقين على عدم تحقيق معنى الماهية الكلية، وعدم التفرقة بين الماهية المطلقة بمعنى عدم اشتراط قيد ما، والمطلقة بمعنى اشتراط الإطلاق وعدم التقييد، وحقق بها في الماهية بعد ذلك.%. وقال شارح مقدمة ابن هشام النحوي عند قوله: وأما اسم الجنس النكرة