للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الشارح (١) ويجب على كل واحد من هؤلاء الوضوء لوقت كل صلاة إلا أن لا يخرج منه شيء، وهو قول الشافعي، وأصحاب الرأي. واستحب مالك لمن به سلس البول أن يتوضأ لوقت كل صلاة (٢)، إلا أن يؤذيه البرد، فأرجو أن لا يكون عليه ضيق.

وقال أحمد بن القاسم (٣) سألت أبا عبد الله- يعني أحمد- فقلت: إن هؤلاء يتكلمون بكلام كثير، ويؤقتون بوقت، ويقولون: إذا توضأت للصلاة وقد ................


(١) المقنع (١/ ٩٧ - حاشية) والحاشية في المقنع منقولة من خط الشيخ سليمان ابن الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله وهي غير منسوبة لأحد، والظاهر أنه هو الذي جمعها فجزاه الله خيرًا ورحمه. انظر صفحة العنوان «المقنع".
(٢) ذكره ابن قدامة في «المغني» (١/ ٤٢٢).
(٣) ذكره ابن قدامة في «المغني» (١/ ٤٢٤).
ثم تابع كلامه قائلا: « ... وذلك لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرها بالوضوء كل صلاة من غير تفضيل، فالتفضيل يخالف مقتضى الخبر، ولأن اعتبار هذا يشق، والعادة في المستحاضة وأصحاب الأعذار أن الخارج يجري وينقطع، واعتبار مقدار الانقطاع فيما يمكن فعل العبادة فيه يشق وإيجاب الوضوء به حرج لم يرد الشرع به، ولا سأل عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المستحاضة التي استفته، فيدل ذلك ظاهرًا على عدم أعتباره مع قول الله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: ٧٨]، ولم ينقل عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولاعن أحد من الصحابة هذا التفصيل، وقال القاضي وابن عقيل: إن تطهرت المستحاضة حال جريان دمها ثم انقطع قبل دخولها في الصلاة، ولم يكن لها عادة بانقطاعه، لم يكن لها الدخول في الصلاة حتى تتوضأ لأنها طهارة عفي عن الحدث فيها لمكان الضرورة. فإذا انقطع الدم زالت الضرورة، فطهر حكم الحدث كالمتيمم إذا وجد الماء، وإن دخلت في الصلاة فاتصل الانقطاع زمنًا يمكن الوضوء والصلاة فيه، فهي باطلة لأننا تبينا بطلان طهارتها بانقطاعه. وإن عاد قبل ذلك فطهارتها صحيحة لأننا تبينا عدم الطهر المبطل للطهارة، فأشبه ما لو ظن أنه أحدث، ثم تبين أنه لم يحدث.
وفي صحة الصلاة وجهان:
أحدهما: يصح، لأنا تبينا صحة طهارتها، لبقاء استحاضتها.
الثاني: لا يصح لأنها صلت بطهارة لم يكن لها أن تصلي بها فلم تصح، كما لو تيقن الحدث وشك في الطهارة، فصلى، ثم تبين أنه كان متطهرًا. وإن عاودها الدم قبل دخولها في الصلاة لمدة تتسع للطهارة والصلاة بطلت الطهارة وإن كانت لا تتسع لم تبطل. لأننا تبينا عدم الطهر المبطل للطهارة، فأشبه ما لو ظن أنه أحدث فتبين أنه لم يحدث، وإن كان انقطاعه في الصلاة، ففي بطلان الصلاة به وجهان مبنيان على المتيمم يرى الماء في الصلاة
وإن عاودها الدم فالحكم فيه على ما مضى في انقطاعه في غير الصلاة، وإن توضأت في زمن انقطاعة، ثم عاودها الدم قبل الصلاة أو فيها وكانت مدة انقطاعة تتسع للطهارة والصلاة، بطلت طهارتها بعود الدم، لأنها بهذا الانقطاع صارت في حكم الطاهرات، فصار عود الدم كسبق الحدث، وإن كان انقطاعًا لا يتسع لذلك، لم يؤثر عوده، لأنها مستحاضة، ولا حكم لهذا الانقطاع وهذا مذهب الشافعي- رحمه الله- وقد ذكرنا من كلام أحمد- رحمه الله- ما يدل على أنه لا عبرة بهذا الانقطاع، بل متى كانت مستحاضة أو بها عذر من هذه الأعذار فتحرزت وتطهرت، فطهارتها صحيحة، وصلاتها بها ماضية، ما لم يزل عذرها، وتبرأ من مرضها، أو يخرج وقت الصلاة، أو تحدث حدثًا سوى حدثها.
وانظر: مزيد تفصيل: «شرح الزركشي على مختصر الخرقي» (١/ ٤٣٧ - ٤٤٠).