للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينكره أحد ممن يعرف الأصول، فيقال: يحرم كل فعل في الصلاة مما ليس إلا ما دل عليه دليل بخصوصه، وقد دل الدليل الصحيح المتفق على صحته أنه يشرع لمن سلم ساهيًا أن يقتدي برسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، ويفعل كفله، لأن الله- سبحانه- يقول في محكم كتابه: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (١) ويقول: {قل إن كنتم تجبون الله فاتبعوني} (٢)، ويقول: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} (٣).

وكل عاقل يعلم أن الذي وقع منه [٦ب] حديث ذي اليدين هو الذي حرم الأفعال في الصلاة بمثل قوله: «إن في الصلاة لشغلًا» (٤)، وبمثل قوله: «اسكنوا في الصلاة» (٥) فليس لأحد أن يجعل بعض ما ورد عن رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- شريعة لازمة، وبعضه ليس شريعة، بل الكل من مشكاة النبوة، ومن معدن الرسالة: {إن هو إلا وحي يوحى} (٦)، مع أن حديث ذي اليدين هو ثابت من طرق أرجح (٧) من الأحاديث المقتضية لتحريم الأفعال في الصلاة بمسافات يعرفها من يعرف مرتب الأدلة، وأيضًا فقد استدل بحديث ذي اليدين هذا جماعة نت أهل العلم السالكين طرق التأويل في محل السؤال، فمن جملة ما استدلوا به إطراقه أن سجود السهو بعد السلام (٨)، فكيف


(١) [الحشر: ٧].
(٢) [آل عمران: ٣١].
(٣) [الأحزاب: ٢١].
(٤) أخرجه البخاري في صحيحة رقم (١١٩٩) ومسلم رقم (٥٣٨) من حديث ابن مسعود.
(٥) أخرجه مسلم في صحيحة رقم (١١٩/ ٤٣٠) من حديث جابر بن سمرة.
(٦) [النجم: ٤].
(٧) انظر «الاستذكار» لابن عبد البر (٢/ ٢٣١).
(٨) قال ابن عبد البر في «التمهيد» (١/ ٣٥١ - ٣٥٢): أن السلام الذي يتحلل به من الصلاة إذا وقع سهوًا لا يبطل الصلاة ولا يخرج منها، بل يجوز لفاعل ذلك البناء عليها، وقد خالف في ذلك بعض أصحاب أبي حنيفة والحديث حجة عليهم.