للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن قال وصف الجهر أوجب كونه ... ابتداعا عنك ادعاء مجردا

وقد جاء عن جمع من الصحب أنه ... بقول رسول الله والفعل شيدا

وكان به عرفان تتميم فرضه ... كذلك قال الحبر قولا مجودا

وأقبح شيء نهي عبد مقرب ... أراد بجوف الليل أن يتهجدا

يقوم إلى المحراب والناس نوم ... ليركع للخلاق طورا ويسجدا

فذا باتفاق للخلائق منكر ... وعن فعله رب البرية هددا

ومنع صلاة العيد من غير مقتض ... قبيح إذا أم البرية مسجدا

وقد كان خير الرسل إلا لعاذر ... يروح إلى نحو المصلى على المدى

وغير مناف للجواز فضيلة ... لجنابه عند الهداة أولي الهدى

أخرج البخاري (١) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله


(١) في صحيحه رقم (٧٤٠٥).
قلت: وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (٢٦٧٥) والترمذي رقم (٣٦٠٣) وابن ماجه رقم (٣٨٢٢) وأحمد (٣). قال القرطبي في " المفهم " (٧/ ٥ - ٧) قوله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي ". قيل: معناه ظن الإجابة عند الدعاء، وظن المغفرة عند الاستغفار، ظن قبول الأعمال عند فعلها على شروطها تمسكا بصادق وعده وجزيل فضله ويؤيده قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ".
وكذلك ينبغي للتائب والمستغفر، وللعامل أن يجتهد في القيام بما عليه من ذلك، موقنا أن الله تعالى يقبل عمله، ويغفر ذنبه فإن الله تعالى قد وعد بقبول التوبة الصادقة، والأعمال الصالحة، فأما لو عمل هذه الأعمال وهو يعتقد، أو يظن أن الله تعالى لا يقبلها، وأنها لا تنفعه، فذلك هو القنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله وهو من أعظم الكبائر، ومن مات على ذلك وصل إلى ما ظن منه.
فأما ظن المغفرة والرحمة مع الإصرار على المعصية، فذلك محض الجهل، والغرة وهو يجر إلى مذهب المرجئة. .. والظن: تغليب أحد المجوزين بسبب يقتضي التغليب، فلو خلا عن السبب المغلب لم يكن ظنا بل غرة وتمنيا.
" وأنا معه حين يذكرني " أصل الذكر: التنبه بالقلب للمذكور، والتيقظ له، ومنه قوله: (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) [البقرة: ٤٠] أي تذكروها وهو في القرآن كثير، وسمي القول باللسان ذكرا لأنه دلالة على الذكر القلبي، غير أنه قد كثر اسم الذكر على القول اللساني حتى صار هو السابق للفهم وأصل مع الحضور والمشاهدة كما قال تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) [الحديد: ٤] أي مطلع عليكم ومحيط بكم وقد ينجر مع ذلك الحفظ والنصر، كما قيل في قوله تعالى: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) أي أحفظكما ممن يريد كيدكما. وإذا تقرر هذا فيمكن أن يكون معني: " وأنا معه إذا ذكرني " أن ذكر الله في نسفه مفرغة مما سواه رفع الله عن قلبه الغفلات، والموانع، وصار كأنه يرى الله ويشاهده وهي: الحالة العليا التي هي: أن تذكر الله كأنك تراه فإن لم تصل إلى هذه الحالة، فلا أقل من أن يذكره وهو عالم بأن الله يسمعه ويراه، ومن كان هكذا كان الله له أنيسا إذا ناجاه، ومجيبا إذا دعاه وحافظا له من كل ما يتوقعه ويخشاه، ورفيقا به يوم يتوفاه، ومحلا له من الفردوس أعلاه وقوله: " فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي " النفس: اسم مشترك يطلق على نفس الحيوان، وهي المتوفاة بالموت والنوم، ويطلق ويراد به الدم، الله تعالى منزه عن ذينك المعنيين، ويطلق ويراد به ذات الشيء وحقيقته كما يقال: رأيت زيدا نفسه عينه أي ذاته، ويطلق ويراد به الغيب كما في قوله تعالى: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) [المائدة: ١١٦] أي: غيبك.