للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول بذلك بل يخص هذه العبادة بذلك [٦أ] وحدها دون غيرها، فما هذا بأول تعسف خصصت به هذه العبادة. فقد تلاعبت بها أقوال الرجال من يمين إلى شمال (١). هذا يقول: لا تصح إلا بعدد أربعين، وآخر يقول بأكثر من ذلك العدد، وآخر يقول بأقل منه، وهذا يقول: يشترط فيها المصر الجامع، وآخر يقول الذي فيه حمامات ومساجد ويسكنه عشرة آلاف، وآخر يقول دون ذلك، وآخر يقول أكثر، وهذا يقول: الإمام الأعظم على شروط يشترطونها واختراعات يخترعونها، وهذا يقول: يشترط سماع الخطبة، وهذا يقول كذا، وهذا يقول كذا. ليت شعري ما بال هذه العبادة من بين سائر العبادات ثبتت لها شروط وفروض وأركان بأمور لا يستحل العالم المحقق العارف بكيفية الاستدلال أن يجعل أكثرها سننا، ومندوبات، فضلا عن فرائض وواجبات، فضلا عن شرائط.

ومع هذا فقد تأكد دخول هذه الصلاة تحت عموم الصلوات بأدلة خاصة مصرحة بها. وبالغ الشارع في البيان حتى قال: من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى، وقد تمت صلاته. (٢) فلم يكتف بمجرد الإدراك، بل ضم إلى ذلك إضافة أخرى إليها ثم لم يكتف بذلك، بل جاء بما يدفع كل علة، وينقع كل غلة، فقال: وقد تمت صلاته. ومع هذا فقد أوضحنا لك أن الدليل على مدعي كون لهذه العبادة شرطا أو شطرا، وبينا ما يصلح للاستدلال به على مثل ذلك، فأين الدليل القائل لا صلاة جمعة لمن لم يسمع الخطبة أو بعضها، أو لا تقبل صلاة جمعة إلا بسماع خطبة، أو لا يصل أحدكم الجمعة إذا لم يسمع شيئا من الخطبة، فإنا لم نجد حرفا من هذا في السنة المطهرة؛


(١) انظر المغني (٣/ ١٨٤) قال ابن قدامة: أكثر أهل العلم يرون أن من أدرك ركعة من الجمعة مع الإمام فهو مدرك لها، يضيف إليها أخرى، ويجزئه وهذا قول ابن مسعود وابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب والحسن وعلقمة والأسود وعروة، والزهري والنخعي ومالك، والثوري والشافعي وإسحاق وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وانظر مزيد تفصيل في المصدر المذكور.
(٢) تقدم تخريجه.