اعلم أن الله سبحانه استدل على التوحيد والألهيات: ١ - بخلق السموات والأرض. ٢ - أحوال الشمس والقمر. ٣ - المنافع الحاصلة من اختلاف الليل والنهار. ٤ - بكل ما خلق الله في السموات والأرض وهي أقسام الحوادث والحادثة في هذا العالم وهي محصورة في أربعة أقسام: أ-الأحوال الحادثة في العناصر الأربعة ويدخل فيها أحوال الرعد والبرق والسحاب والأمطار والثلوج. ويدخل فيها أيضًا أحوال البحار، وأحول المد والجزر، وأحوال الصواعق والزلازل والاخسف. ب - أحوال المعادن وهي عجيبة كثيرة. ج - اختلاف أحوال النبات. د - اختلاف أحوال الحيوانات. انظر: " التفسير الكبير " للرازي (١٧/ ٣٧). وقال أيضًا " اعلم أن انتفاع الخلق بضوء الشمس وبنور القمر عظيم، فالشمس سلطان النهار والقمر سلطان الليل. وبحركة الشمس تنفصل السنة إلى الفصول الأربعة، وبالفصول الأربعة تنتظم مصالح هذا العام. وبحركة القمر تحصل الشهور، وباختلاف حاله في زيادة الضوء، ونقصانه تختلف وطوبات هذا العالم، ويسبب الحركة اليومية يحصل النهار والليل، فالنهار زمانا للتكسب، والليل يكون زمانا للراحة. وانظر (٤/ ١٧٧وما بعدها) " شرح الآية ١٦٤ من سورة البقرة " من تفسير الفخر الرازي. وانظر: الرسالة رقم (٣٤) من فتاوى الشوكاني). قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٢٤/ ٢٥٤ - ٢٥٨): " الحمد لله: الخسوف الكسوف لهما أوقات مقدرة، كما لطلوع الهلال وقت مقدر، وذلك ما أجرى الله عادته بالليل والنهار. والشتاء والصيف، وسائر ما يتبع جريان الشمس والقمر. وذلك من آيات الله تعالى: كما قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [الأنبياء: ٣٣]. وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ) [يونس: ٥]. وقال تعالى: (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [الأنعام: ٩٦]. وقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) [البقرة: ١٨٩]. وقال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) [التوبة: ٣٦]. وقال تعالى: (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [سورة يس٣٧: ٤٠]. وكما أن العادة التي أجراها الله تعالى أن الهلال لا يسهل إلا ليلة ثلاثين من الشهر، أو ليلة إحدى وثلاثين، وأن الشهر لا يكون إلا ثلاثين، أو تسعة وعشرين، فمن ظن أن الشهر يكون أكثر من ذلك، أو أقل فهو غالط. فكذلك أجرى الله العادة أن الشمس لا تكسف إلا وقت الاستسرار وأن القمر لا يخسف إلا وقت الابدار، ووقت إبداره، هي الليالي البيض التي يستحب صيام أيامها: ليلة الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فالقمر لا يخسف إلا في هذه الليالي. والهلال يستسر آخر الشهر: إما ليلة، إما ليلتين. كما يستسر ليلة تسع وعشرين، أو ثلاثين، والشمس لا تكسف إلا وقت استسراره وللشمس والقمر ليالي معتادة، من عرفها عرف الكسوف والخسوف. كما أن من علم كم مضى من الشهر يعلم أن الهلال يطلع في الليلة الفلانية أو التي قبلها. لكن العلم بالعادة في الهلال علم عام، يشترك فيه جميع الناس. وأما العلم بالعادة في الكسوف والخسوف فإنما يعرفه من يعرف حساب جريانهما، وليس خبر الحاسب بذلك من باب علم الغيب، ولا من باب ما يخبر به من الأحكام التي يكون كذبه فيها أعظم من صدقه، فإن ذلك قول بلا علم ثابت، وبناء على أصل صحيح. وفي سنن أبي داود - رقم (٣٩٠٥) - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ". وهو من حديث ابن عباس أخرجه أحمد (١/ ٢٧٧، ٣١١) وابن ماجه رقم (٣٧٢٦) وهو حديث حسن. وفي صحيح مسلم - رقم (٢٢٣٠) - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم يقبل الله صلاته أربعين يوما ". والكهان أعلم بما يقولونه من المنجمين في الأحكام، ومع هذا صح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نهى عن إتيانهم، ومسألتهم، فكيف بالمنجم؟ وأما ما يعلم بالحساب فهو مثل العلم بأوقات الفصول، كأول الربيع والصيف، والخريف، والشتاء، لمحاذاة الشمس أوائل البروج التي يقولون فيها أن الشمس نزلت في برج كذا، أي حاذته. ومن قال من الفقهاء أن الشمس تكسف في غير وقت الاستسرار فقد غلط، وقال ما ليس له به علم، وما يوى عن الواقدي من ذكره: أن إبراهيم ابن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مات يوم العاشر من الشهر، وهو اليوم الذي صلى فيه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الكسوف؛ غلط. والواقدي لا يحتج بمسانيده، فكيف بما أرسله من غير أن بسنده إلى أحد، وهذا فيما لم يعلم أنه خطأ، فأما هذا فيعلم أنه خطأ. ومن جوز هذا فقد قفا ما ليس له به علم. ...