للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى كل حال فليس التعويل على هذا، بل التعويل على ما قدمنا مما لا محيص لولاة الأمر في هذه الأمة منه.

قوله: إن قلنا هو عام فهل تسقط التبعة عن المديون، وتلحق السلطان؟. أقول: إنه لا بد في هذا من تفصيل يدل عليه ما سنذكره من الأدلة، فيقال: لا يخلو هذا المديون إما أن يكون له مال أو لا، وعلى الثاني إما أن يكون في حال حياته مهتما بقضائه مريدا له، ولم يمنعه منه إلا عدم وجوده له وإعوازه عليه أولا. فهذه ثلاث مسائل (١).

الأولى: من وله مال.

الثانية: من مات ولا مال له، وكان مهتما في حال حياته بقضاء مريدا له عازما عليه، ولم يتمكن منه، ولا تيسر له.

الثالثة: من لا مال له ولم يكن مهتما بقضائه مع تمكنه من القضاء في حال حياته، ولو بالسعي في وجوه المكاسب، وإتعاب نفسه في أسباب التحصيل.

أما المسألة الأولى وهي: من مات وله مال يمكن القضاء منه [٤]، وثم سلطان للمسلمين، بيده أموال الله على وجه يتمكن به من قضاء دين ذلك المديون منها كلا أو بعضا، فقد دل قوله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأحاديث المتقدمة: " من خلف مالا أو حقا فلورثته، ومن خلف كلا أو دينا فكله إلي ودينه علي " (٢) أن السلطان قد صار مكلفا بقضاء دين هذا المديون الذي مات وترك مالا، وأن ذنب الترك عليه. خطاب الله - سبحانه - متوجه إليه، وعقوبته نازله عليه. ولا ينافي هذا قوله في حديث سلمة بن الأكوع المتقدم أن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " هل ترك شيئا؟ قالوا: لا. فقال: هل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير، قال: صلوا على صاحبكم " لأن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما امتنع من الصلاة على المديون الذي لا مال له قبل أن يفتح الله عليه، لكونه لم يترك وفاء لدينه، ثم لما فتح الله


(١) انظر " فتح الباري " (٤/ ٤٦٧).
(٢) تقدم تخرجه.