للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اعلم أنه قد اتفق الناس سابقهم ولا حقهم، وأولهم وآخرهم من لدن الصحابة - رضي الله عنهم - إلي هذا الوقت أن رفع القبور، والبناء عليها بدعة من البدع التي ثبت النهي عنها، واستد وعيد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لفاعلها كما سيأتي بيانه. ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين أجمعين، لكنه وقع للإمام يحيي بن حمزة (١) مقالة تدل على أنه لا بأس بالقباب والمشاهد على قبور الفضلاء، ولم يقل بذلك غيره، ولا روي عن أحد سواه. ومن ذكره من المؤلفين في كتب الفقه من الزيدية فهو جرى على قوله، واقتدي به، ولم نجد القول لذلك لأحد ممن عاصره، أتقدم عصره عليه، لا من أهل البيت، ولا من غيرهم.

وهكذا اقتصر صاحب البحر (٢) الذي هو مدرس كبار الزيدية، ومرجع مذاهبهم، ومكان البيان لخلافهم في ذات بينهم، وللخلاف بينهم وبين غيرهم، بل قد اشتمل على غالب أقوال المجتهدين وخلافهم في المسائل الفقهية، صار هو [المرجوع] (٣) إليه في هذه الأعصار وهذه الديار لمن أراد معرفة الخلاف في المسائل وأقوال القائلين بإثباتها أو نفيها من المجتهدين، فإن صاحب هذا الكتاب الجليل لم ينسب هذه المقالة - أعني جواز رفع القباب والمشاهد على قبور الفصلاء - إلا إلى الإمام يحيى وحده فقال [٢ب] ما نصه (٤): " مسألة: قال الإمام يحيى: ولا بأس بالقباب والمشاهد على الفضلاء في الملك لا ستعمال المسلمين ولم ينكر " انتهى.

فقد عرفت من هذا أنه لم يقل بذلك إلا الإمام يحيى، وعرفت دليله الذي استدل به، وهو استعمال المسلمين مع عدم النكير، ثم ذكر صاحب البحر (٤) هذا الدليل الذي استدل


(١) هو المؤيد بالله يحيي بن حمزة علي بن إبراهيم. ولد بصنعاء سنة ٦٦٩ هجريه. توفي سنة ٧٤٩ هجريه. انظر: " أعلام المؤلفين الزيدية " (ص ١١٢٤) وقد تقدم.
(٢) (٢ - ١٣٢).
(٣) في [ب] المرجع.
(٤) من " البحر الزخار" (٢).