للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على ما هو الأعم، لا على ما هو الأغلب، لا على ما قل ونذر باتفاق أهل العلم. ومن جملة ما احتج به الأولون ما أخرجه مسلم (١)، وأهل السنن (٢) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " ووجه الاستدلال به التصريح بانقطاع عمل الإنسان، وهو عام لأنه مصدر مضاف. ويرشد إلى عمومه في خصوص المقام الاستثناء فأنه لا يكون إلا من العام، فدل على انقطاع كل عمل ما عدا الثلاث، كائنا ما كان.

ومما يستدل به للأولين قوله تعالى: (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى)؛ فإن الجزي أعم من الثواب والعقاب، ولكنه لا يخفى أن التنصيص على أنها تجزى كل نفس بما عملت لا يستلزم أنها لا تجرى بغيره، إذا تقرر لك عدم انتهاض ما أسلفناه من الأجوبة على الآية فاعلم أنه يمكن الاستدلال للحوق بأدلة تصلح لتخصيص ذلك العموم.

الأول: حديث ابن عباس عند البخاري (٣) أن نفرا من أصحاب النبي - صلى الله


(١) في صحيحه رقم (١٦٣١).
(٢) أبو داود في " السنن " رقم (٢٨٨٠) والترمذي رقم (١٣٧٦) والنسائي (٦) وأحمد (٢) والبيهقي في " السنن " (٦).
قال القرطبي في " المفهم " (٤) هذه الثلاث الخصال إنما جرى عملها بعد الموت على من نسبت إليه، لأنه تسبب في ذلك، وحرص عليه، ونواه، ثم إن فوائدها متجددة بعده دائمة فصار كأنه باشرها بالفعل، وكذلك حكم كل ما سنه الإنسان من الخير، فتكرر بعده، بدليل قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ".
- أخرجه أحمد (٤، ٣٥٨) ومسلم رقم (١٠١٧) والترمذي رقم (٢٦٧٥) والنسائي (٥/ ٧٥ - ٧٦) وابن ماجه رقم (٢٠٣).
(٣) في صحيحه رقم (٢٥٣٧) وأطرافه (٥٠٠٧) و (٥٧٣٦) و (٥٧٤٩).