للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بل هذا داخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المكر فما دل عليهما دل على هذا من كتاب وسنة فلا نطيل ببسط ذبك، وإنما قلنا كذلك لأن الواجبات الرعية المتعلقة بالأبدان والأموال لا يقوم بها غالب المكلفين من قبل نفسه إلا إذا خاف النكير عليه وإنزال الضرر به من سلطان أو رئيس من رؤساء المسلمين وهذا مشاهد محسوس معلوم فكل بلاد لا حكم فيها لسلطان من سلاطين المسلمين لو خلا كل فرد من الأفراد الساكنين بها وشأنه لما قام ببعض ما أوجب الله عليه إلا النادر، وقليل ما هم، ولهذا يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العرافة حق ولا بد للناس من عريف ثم قال عند أن عزم على إرجاع السبي من هوازن وقد سمع الناس يقولون إنهم قد طابوا أنفسا بإرجاع ما في أيديهم. فقال: لا نعلم من رضي ممن لم يرض ثم أمر الرؤساء أن يعرفوا حقيقة ذلك من كل فرد، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تفد عليه قبيلة من القبائل ولا بطن البطون للإسلام إلا جعل عليهم واحدا منهم ينظر في أمورهم، وهذا وقد تلقوا أحكام الشريعة بالقبول ونفذت فيه الأوامر والنواهي من الرسول فكيف بمن لا ينفذ فيهم أمر آمر ولا ينفق لديهم نهي ناه، فتقرر بهذا أن لتواطؤ على تلك القواعد ونصب من يقوم بها من أعظم الواجبات الشرعية ولهذا كان حلف الفضول الواقع من أولئك الرؤساء الفحول ممدحا على تعاقب العصور وتوارد الدهور، مع أنه واقع من قوم لم يرح أحدهم رائحة الإسلام على قوم من الجاهلية الطغام، ولكنه لما كان مشتملا على مكارم الأخلاق التي أحدها الانتصاف للمظلوم من الظالم كان بذلك المكان المكين عند المسلمين والكافرين فكيفي لا يحسن عقلا وشرعا التواطؤ بين ثلة من المسلمين الذين لا سبيل عليهم لأحد من السلاطين على نصب جماعة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فإن هذا من أعظم شعائر الدين.

وليس من شرط حسن هذا القانون أن يكون القيام من أولئك بجميع الأمور الشرعية، بل الفرد منها كاف في الحسن إذا خلصت هذه المصلحة عن أن تشاب بمفسدة تساويها أو