للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشارع ولا إلى أهل اللغة لم يحل لنا العمل به مع التمسك بحمل صاحبه على السلامة، ونظير ذلك اختلاف العلماء في المسائل العلمية، فلو كثر الله فوائده كان إحسان الظن مسوغا للعمل بما ورد عن كل واحد منهم لوجب علينا قبول الأقوال المتناقضة في تفسير آية واحدة أو في مسألة علمية، واللازم باطل فالملزوم مثله، وكثيرا ما نسمع من أسراء التقليد الذين يعرفون الحق بالرجال لا بالاستدلال إذا قال لهم القائل: الحق في هذه المسألة كذا أو الراجح قول فلان، قالوا: لست أعلم من فلان، يعنون القائل من العلماء بخلاف الراجح في تلك المسألة، فنقول لهم: نعم لست أعلم من فلان، ولكن هل يجب علي اتباعة والأخذ بقوله، فيقولون: لا ولكن الحق لا يفوته ومن يشابهه من العلماء، فنقول لهم: لا يفوته وحده لخصوصية فيه أم لا يفوته هو وأشباهه ممن بلغ إلى الرتبة التي بلغ إليها في العلم، فيقولون: نعم لا يفوته هو وأشباهه ممن هو كذلك، فيقال لهم: من الأشباه والأنظار في علماء السلف والخلف آلاف مؤلفة بل فيهم أعداد متعددة يفضلونه ولهم في المسألة الواحدة الأقوال المتقابلة، فربما كانت العين الواحدة عند بعضهم حلالا وعند الآخر حراما، فهل تكون العين حلالا حراما لكون كل واحد منهم لا يفوته الحق كما زعمتم، فإن قلتم: نعم، فهذا باطل، ومن قال بتصويب المجتهدين (١) إنما يجعل قول كل واحد منهم صوابا لا إصابة، وفرق بين المعنيين أو يقول القائل في جواب مقالتهم فلان أعرف منك بالحق لكونه أعلم إذا كان الأسعد بالحق الأعلم فما أحد إلا وغيره أعلم منه، ففلان الذي يعنون غيره أعلم منه فهو أسعد منه بالحق فلم يكن الحق حينئذ بيده ولا بيد أتباعه، وهذه المحاورات إنما يحتاج إليها من ابتلي بمحاورة المقصرين الذين لا يعقلون الحجج ولا يعرفون أسرار الأدلة


(١) تقدم مناقشة ذلك مرارا.