للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإكراه (١)؛ وهذا الدليل ينبغي التعويل عليه.


(١) قال ابن قدامة في " المغني " (١٠/ ٣٥١): ولا يكون مكرها حتى ينال بشيء من العذاب، مثل الضرب أو الخنق أو عصر الساق وما أشبهه، ولا يكون التواعد إكراها.
أما إذا نيل بشيء من العذاب، كالضرب والخنق، والعصر، والغط في الماء مع الوعيد؛ فإنه يكون إكراها بلا إشكال. لما روي أن المشركين أخذوا عمارا، فأرادوه على الشرك، فأعطاهم، فانتهى إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يبكي، فجعل يمسح الدموع عن عينيه ويقول: " أخذك المشركون فغطوك في الماء، وأمروك أن تشرك بالله، ففعلت، فإن أخذوك مرة أخرى، فافعل ذلك بهم ".
انظر: " الطبقات " (٣/ ٢٤٩) و" جامع البيان " للطبري (٨ / ج ١٤/ ١٨١ - ١٨٢).
وقال عمر رضي الله عنه: ليس الرجل أمينا على نفسه إذا أوجعته أو ضربته أو أوثقته، وهذا يقتضي وجود فعل يكون به إكراها.
فأما الوعيد بمفرده، فعن أحمد فيه روايتان:
إحداهما: ليس بإكراه لأن الذي ورد الشرع بالرخصة معه، هو ما ورد في حديث عمار، وفيه أنهم " أخذوك فغطوك في الماء " فلا يثبت الحكم إلا فيما كان مثله.
الثانية: أن الوعيد بمفرده إكراه. قال في روايه ابن مصور: حد الإكراه إذا خاف القتل، أو ضربا شديدا. وهذا قول أكثر الفقهاء. وبه يقول أبو حنيفة والشافعي.
شروط الإكراه:
أحدها: أن يكون من قادر بسلطان أو تغلب، كاللص ونحوه. وحكي عن الشعبي: إن أكرهه اللص، لم يقع طلاقه، وإن أكرهه السلطان وقع. قال ابن عيينة: لأن اللص يقتله.
قال ابن قدامة: وعموم ما ذكرناه في دليل الإكراه يتناول الجميع , والذين أكرهوا عمارا لم يكونوا لصوصا، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمار: " إن عادوا فعد " ولأنه إكراه، فمنع وقوع الطلاق، كإكراه اللص.
الثاني: أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به، إن لم يجبه إلى ما طلبه.
الثالث: أن يكون مما يستضر به ضررا كثيرا، كالقتل، والضرب الشديد والقيد، والحبس الطويل. فأما الشتم، والسب فليس بإكراه، رواية واحدة. وكذلك أخذ المال اليسير، فأما الضرب اليسير، فإن كان في حق من لا يبالي به فليس بإكراه، وإن كان في بعض ذوي المروءات على وجه يكون إخراقا بصاحبه، وغضا له، وشهرة في حقه فهو كالضرب الكثير في حق غيره.
وإن توعد بتعذيب ولده، فقد قيل: ليس بإكراه لأن الضرر لاحق بغيره، والأولى أن يكون إكراها لأن ذلك عنده أعظم من أخذ ماله , والوعيد بذلك إكراه. "
المغني " (١٠/ ٣٥٢ - ٣٥٣)، " المجموع " (١٨/ ٢٠٩ - ٢١٠).