للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجلا على عهد عمر بن الخطاب تدلى ليشتار عسلا، فأقبلت امرأته فجلست على الحبل، فقالت: ليطلقها ثلاثا، وإلا قطعت الحبل، فذكرها الله والإسلام فأبت، فطلقها ثلاثا، ثم خرج إلى عمر، فذكر ذلك له فقال: ارجع إلى أهلك فليس هذا بطلاق، ولم ينقل أنه خالفه أحد من الصحابة، فكان قوله ذلك منزلا منزلة الإجماع، وليس هذا من معارضة المرفوع بالموقوف، بل من معارضة الحديث الضعيف بما يدل على الإجماع، ولو كان عند الصحابة سنة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ما خالفوها، ولا سكتوا عن ذلك.

وقد أخرج البخاري (١) عن علي - عليه السلام - وابن عباس أنهما قالا: ليس على مكره طلاق. وكذا أخرج عنهما ابن أبي شيبة. ولكنه لا ينبغي قبول كل من قال: إنه مكره؛ فإن من الناس من إذا بانت منه زوجته جاء بالمعاذير الباطلة، وتطلب التحيلات الفاسدة. ومعظم مقصوده رجوعها إليه، على أي وجه كان، وإن ارتطم في الحرام، ثم ارتطم، فينبغي أن يبحث عن صحة دعواه، ولا يعمل بمجرد ما يظهر من فحواه، والمقام محتمل لبسط طويل، وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية.


(١) في صحيحه (٩/ ٣٨٨ الباب رقم ١١) تعليقا: باب الطلاق في الإغلاق والمكره والسكران والمجنون، وأمرهما والغلط والنسيان في الطلاق والشرك، وغيره، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى ". تقدم تخريجه.
قال ابن حجر في " الفتح " (٩/ ٣٨٩): " اشتملت هذه الترجمة على أحكام يجمعها أن الحكم إنما يتوجه على العاقل المختار العامد الذاكر، وشمل ذلك الاستدلال بالحديث لأن غير العاقل المختار لا نية له فيما يقول أو يفعل، وكذلك الغالط والناسي والذي يكره على الشيء .... ".