للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن قلتم: ورد فما هو؟، وإن قلتم: لم يرد ولكنه قال به فلان، أو اشتهر عند الطائفة الفلانية فليس. بمثل هذا يعترض على أبحاث العلم. وأما ما ألزمتم به من أنه يكون ذريعة لكل مشتر إلى ادعاء الفسخ باعتقاده لصفة لم توجد فجوابه أنا قد قيدنا ذلك في تلك الرسالة (١) بقولنا: لكنه قد حصل العلم بأن المشترى كان عند العقد معتقدا لوجودها، فهذا القيد المصرح به يدفع ذلك الإلزام دفعا واضحا لا يخفى.

قال - كثر الله فوائده -: فإن هذا الخيار فعل صاحب المعيار العلة، والسبب فيه هي الجهالة، ولعلة التبس بالغرر.

أقول: قد قررنا أن المعنى اللغوي يقتضي أن يكون الجهل غررا، بل صرح بذلك صاحب النهاية (٢)، والأزهري (٣)؛فلا التباس. وكلام صاحب المعيار اجتهاد لا نقل عن أئمة اللغة، فليس بحجة على أحد وكذلك من وافقه، بل الحجة الدليل المفسر بلغة العرب.

قال- كثر الله فوائده -: قال البغوي (٤):إن الغبن هو فوت الحظ.

أقول: هذا هو المعنى الذي أردناه، فإن فوت الحظ كما يكون بعناية من أحد البائعين كالخداع، ويكون أيضًا بغير عناية منهما، أو من أحدهما، لأنه قد وجد فوت الحظ، ويؤيد هذا الاعتبار ما ورد في البائع لسلعته قبل وصوله إلى السوق، فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قال فيه: " فصاحب السلعة بالخيار إذا وردت بالسوق " (٥)، ولم يقيد هذا الخيار بكونه كان البيع بسبب الخداع ولا بغير ذلك.

قال - كثر الله فوائده - فإن هذا مما اختلط فيه الغرر بالجهل.


(١) الرسالة رقم (١١٠). وانظر: "المغني " (٦/ ٣٤ - ٣٥).
(٢) (٣/ ٣٥٥).
(٣) في " تهذيب اللغة " (١٦/ ٨٣ - ٨٤).
(٤) انظر " شرح السنة " (٨/ ١٢٣).
(٥) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (١٧/ ١٥١٩) وقد تقدم.