للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخطاب (١)، وهو معمول به إجماعا، ولم يخالف فيه من خالف في العمل ببعض المفاهيم، ولا خالف في العمل ببعض أنواع القياس.

وبيان آخر وهو أنه لا شك، ولا ريب أن وضع الجائحة الواقعة على نفس الزرع الذي باعه البائع، وقد صار زرعا، وعلى نفس الثمر الذي باعه البائع، وقد صار ثمرا، فيه من ذهاب الفائدة (٢) العائدة إلى البائع زيادة على ما ذهب من الفائدة: العائدة للمؤجر لنفس الأرض، أو الشجر، ولا زرع هناك، ولا ثمرة، فإن قيمة الزرع أو الثمر الحاصل أكثر من مجرد قيمة الأرض، أو الماء للثمرة التي لا تحصل للمستأجر، إلا بالحرث للأرض والبذر، والتعب في تحصيل الزرع والثمر.

هذا معلوم لكل عاقل، ومعلوم لكل عاقل أنه لا يقصد باستئجار الأرض، أو الماء، إلا ما يترتب على ذلك من فائدة الزرع، أو الثمر، وكان دخول حط الجوايح في الأشياء المؤجرة لذلك أولى من دخول حط ما قد صار زرعا، أو ثمرا. وأصابته الجائحة، ومن لا يفهم هذا، فهو لا يفهم مدلولات الكلام كما ينبغي. وعلى كل حال فالاستدلال بعموم الجوائح (٣)، وبعموم: " بم تستحل مال أخيك " لا يحتاج معهما إلى


(١) تقدم توضيحه.
(٢) قال ابن قدامه في " المغني " (٦/ ١٨٠): إذا استأجر أرضا، فزرعها فتلف الزرع، فلا شيء على المؤجر، نص عليه أحمد. ولا نعلم فيه خلافا، لأن المعقود عليه منافع الأرض، ولم تتلف، وإنما تلف مال المستأجر فيها، فسار كدار استأجرها ليقصر فيها ثيابه، فتلفت الثياب فيها.
قال الماوردي في " الحاوي " (٦/ ٢٥٠): وأما الجواب عن الاستدلال بالدار المؤجرة، فلا يصح الجمع بينهما، لأن ما يحدث من منافع غير وجود في الحال، ولا يقدر المستأجر على قبضه، فبطلت الإجارة بتلف الدار قبل المدة وليست الثمرة كذلك، لأنها موجودة يمكن للمشتري أن يتصرف فيها ويحدث في الحال جميعها، فلا يبطل البيع بتلفها بعد التمكين منها والله أعلم.
(٣) لا يخلوا حال تلفها بعد العقد من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن تتلف قبل التسليم.
أ - إما أن يكون بجائحة من السماء، أو بجناية آدمي، أو بجناية البائع فإن تلفت بجائحة من السماء، كانت من ضمان البائع، وبطل البيع، لا يختلف، لأن تلف المبيع قبل القبض مبطل للبيع.
ب- وإن تلفت بجناية آدمي غير البائع، ففي بطلان البيع قولان:
١ - قد يبطل كما لو تلفت بجائحة سماء.
٢ - لا يبطل البيع، لأن بدلها مستحق على الجاني، لكن يكون المشتري بالخيار بحدوث الجناية بين الفسخ والرجوع بالثمن، وبين إمضاء البيع بالثمن مطالبة الجاني بمثل قيمتها إن لم يكن لها مثل.
ج -وإن تلفت بجناية البائع، ففيه وجهان حكاهما ابن سريج:
١ - أن جناية البائع كجائحة من السماء، فعلى هذا يكون البيع باطلا قولا واحدا.
٢ - أنها كجناية الأجنبي، فعلى هذا في بطلان البيع بها قولان.
ثانيهما: أن يكون تلفها بعد التسليم وقبل الجداد، فهذا ضربين:
١ - أن يكون المشتري قد تمكن من جدادها بعد التسليم فأخره حتى تلفت فيتكون من ضمان المشتري، ولا يبطل به الأحوال كلها سواء كان تلفها بجائحة أو بجناية، لأن تأخير الجداد مع الإمكان تفريط منه.
٢ - أن لا يتمكن المشتري من جدادها حتى تلفت، فتنظر في سبب تلفها فإنه لا يخلوا من الأحوال الثلاثة: إما بجائحة سماء، أو جناية أجنبي أو جناية البائع.
فإن كان تلفها بجائحة سماء، ففي بطلان البيع قولان مضيا.
وإن كان تلفها بجناية البائع، فإن قيل: إن البيع لا يبطل بجائحة السماء، فيكون أن يبطل بجناية أجنبي. وإن قيل: إنه يبطل بجائحة السماء ففي بطلانه بجناية الآدمي قولان:
وإن كان تلفها بجناية البائع: فأحد الوجهين: أنها تكون كجائحة السماء فيكون في بطلان البيع قولان.
والوجه الثاني: أنها كجناية الأجنبي على ما مضي، فهذا الحكم في تلفها بعد التسليم وقبل الجداد.
ثالثهما: هو أن يكون تلفها بعد الجداد، فالبيع ماض لا يبطل بتلفها على الأحوال كلها، لاستقرار القبض، وانقضاء العقد وتكون مضمونه على الآدمي بالمثل أو بالقيمة إن يكن لها مثل.
انظر: " المغني " (٦/ ١٧٩ - ١٨٠)، " الأم " (٦/ ١٩١ - ١٩٢).