للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحضر (١)، وأيضا البائع الذي ادعى أنه ما باع أرضه بدون ثمنها إلا لمجرد ذلك الالتزام، قد نادى على نفسه بما يصلح لجعله مستندا للحكم عليه فإن ذلك المقدار الذي أسقطه عن المشتري لغرض الالتزام بالفسخ تلك المدة. وقد وقع ذلك الالتزام، وصار المبيع فيها معرضا للفسخ , والمشتري راض بذلك، مذعن له، فإنه لو جاءه في المدة المضروبة، ودفع إليه ما كان في قبضه من الثمن، لقال له خذ مبيعك هنيئا مريئا، بارك الله لك فيه.

فالغرض الذي لأجله الحط على فرض صحة الدعوى قد وقع، صار المشتري لأجله يظن في كل وقت أن ذلك المبيع خارج عن ملكه وكل عاقل يعلم أن ضرب مدة وقع التواطؤ عليها بين البائع والمشتري أن البائع إذا سلم فيها الثمن رجع إليه المبيع من أعظم الأغراض التي يتطلبها من باع ما يشح ببيعه لولا الحاجة. فإسقاط جانب من الثمن إلى مقابل هذا العرض إسقاط صحيح، والمشتري قد وفى بما عليه فاستحق ما حط لأجله، ولكن البائع أتى من قبل نفسه، فترك الاسترجاع في الأجل المضروب، وجاء إلى المشترى بعد انقضائه يطالبه بما يلزمه شرعا ولا عرفا.

وبهذا تعرف أن التعامل من البائع بحط جانب من الثمن إنما يصح لو كانت المدة المضروبة بينهما باقية، وحصل من المشتري الامتناع عن الرد، وأما بعد انقضائها فالأمر كما قيل: وقد حيل بين العير والنزوان (٢):

راحت مشرقة ورحت مغربا ... شتان بين مشرق ومغرب

فإن قلت: ربما قال قائل إن الحط لمثل هذا الغرض لا يحل مال البائع بمثله.


(١) انظر "المفهم " (٤/ ٣٦٧ - ٣٦٨).
(٢) حيل بين العير والنزوان:
يقال ذلك الرجل يحال بينه وبين مراده، والمثل ... لصخر بن عمرو أخي الخنساء:
أهم بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنزوان
النزوان في الوثب، وخص بعضهم به الوثب إلى فوق.
" لسان العرب " (١٤/ ١١٥). " جمهرة الأمثال " للعسكري (١/ ٣٧١ - ٣٧٢).