للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه، أو يمنع الغارس له في ملكه من غرسه، لأنه يسري عادة، وينبت بعضه في إثر بعض من دون تنبيت حتى يغلب أرض الغير؟ والظاهر من الأدلة القاضية بالمنع من الضرار لا سيما للجار أنه يمنع المالك من غرس ما يضر بجاره؛ فإن الأدلة الدالة على أن لكل مالك أن ينتفع بملكه كيف شاء مخصصة بالأدلة الدالة على المنع من الضرار، فإنها أخص منها مطلقا ن وبناء على العام على الخاص (١) واجب باتفاق من يعتد به من أئمة الأصول، ولا سيما مع جهل التاريخ، فإنه في حكم الخاص المقارن أو المفارق بمدة لا تتسع للعمل، بل قد حكى بعض أئمة الأصول أنه وقع الإجماع (٢) على البناء مع جهل التاريخ، ومن جوز الإضرار بالجار عملا بالأدلة الدالة على جواز الانتفاع بالملك، فقد أهدر الأدلة الخاصة، وقدم عليها الأدلة العامة مطلقا، فعكس قالب الاستدلال، وخالف في تفريعه التأصيل، وأهمل رد الفعل إلى الأصل المتفق عليه.

وقد تقرر أن ما خالف من الفروع الدليل، ولم يناسب تفريعه التأصيل غير معمول به، ولا مرجوع إليه، فهذا أصل يجب العمل به والتعويل عليه، وهو يفيد أن كل ما كان ذريعة من ذرائع الضرار فالواجب دفعه ومنعه، لا يقال: إن منع المالك من الانتفاع بملكه


(١) الكوكب المنير " (٣/ ٣٨٢ - ٣٨٣)، " المسودة " (ص١٣٤).
(٢) إذا ورد عن الشارع لفظ عام ولفظ خاص، قدم الخاص مطلقا أي سواء كانا مقترنين.
وعن الإمام أحمد رواية في غير المقترنين موافقة لقول أكثر الحنفية المعتزلة وغيرهم، أنه إن تأخر العام نسخ، وإن تأخر الخاص نسخ من العام بقدره ن فعلى هذا القول، إن جهل التاريخ وقف الأمر حتى يعلم.
وقد اشترط الحنفية في التخصيص شروطا أهمها: أن لا يتأخر المخصص وأن يكون المخصص مستقلا بالكلام، وأن يكون متصلا في الوقت ذاته بالنص العام، وإلا كان نسخا لا تخصيصا، وقال بعض الظاهرية؛ يتعارض الخاص والعام مطلقا، وقال بعض المعتزلة وبعض الحنفية وهو رواية عن أحمد: أنه إن جهل التاريخ فيقدم الخاص.
" التبصرة " (ص١٥١)، " اللمع " (ص٢٠).