للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بهما في ثبوت القسامةِ، ونهْبِ الأموالِ، والمجيبُ ـ عافاه الله ـ حملَهما على غير ظاهرهما فلما جرى الكلام في الآية الأولى [٥ب] فتكلَّم في الآية [الثانية] (١)، وكان من حقِّ المجيب ـ عافاه الله ـ أن يقول: لا مأخذ من الآيتين، قال رضي الله عنه: هذه الآيةُ ليس فيها إلاَّ التحذيرُ عن أسباب الفتنِ ... إلى أن قال: فالمرادُ من الآية الكريمةِ التحذيرُ لمن لم يتلَّبسْ بأسباب الفتنِ عن أن يدعَ الجدَّ والاجتهاد في دفع تلك الأسبابِ، وهذا هو معنى إبقائها الذي أمرنا الله لأنَّ التفريطَ في هذا الاتقاء يؤدي إلى إصابة الفتنِ لمن تلبَّس بأسبابها، ومن لم يتلبَّسْ، وما كان هذا مالَهُ فما أحقَّه بأن يتَّقيهُ كلُّ أحد، وأكثر ما تكون هذه الإصابةُ العامةُ في الفتن الجاهلية، أو ما يلتحق بها من الفتن، فكيف يصحُّ الاستدلالُ بهذه الآية على جواز تعميم العقوبةِ! قد أطال الكلامَ ـ تولاه الله ـ وهذا بعض منه.

فالآية هذه لم يكنْ في ذهني أنها ما عُدَّتْ في آيات الأحكام، والتفسير الذي ذكره ـ تولاه الله تعالى ـ أنها محمولة على ترك الأسباب لم أجدْه (٢) إلاَّ أنَّ الذي في الكشاف (٣) أنَّ المرادَ إقرارُ المنكر بين أظهرهم، أو افتراقُ الكلمةِ. وقيل: المرادُ بالفتنةِ العذابُ. ثم قال ما معناه: لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصَّةً، أي لا تصيبُ الظالمينَ منكم خاصَّةً، ولكنها تعمُّكم كما يُحْكى أنَّ علماء بني إسرائيلَ نهوا عن المنكر تعذيرًا فعمهم الله تعالى بالعذاب، ومعنى تعذيرًا أي تقصيرًا بمعنى مقصِّرينَ. وقيل: نزلتْ في عليٍّ ـ عليه السلام ـ وعمارٍ وطلحةَ والزبيرَ ـ رضي الله عنهم ـ وهو يوم الجملِ خاصَّةً. قال الزبير: نزلتْ فينا وقرأناها زمانًا، وما أرانا من أهلها، فإذا نحن المعنيونَ بها. وعن السُّديِّ: نزلتْ في أهل بدر فاقتتلوا يومَ الجملِ. هذا معنى الآية عن إمام المفسرينَ وقُدوتهم، وحاملُ ألويةِ علمِ البيانِ، وتُرجمان ما أنزله الرحمنُ ـ جزاه الله عن المسلمين الجزاءَ الأوفر ـ.


(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) انظر الرسالة رقم (١١٩).
(٣) (٢/ ٥٧١) وانظر الرسالة رقم (٢٠٦).