للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخرج ابنُ أبي الدنيا (١)، والبيهقيُّ (٢) عن ابن الزبير أنه خطبَ بمكةَ فقال: بلغني عن رجال يلعبونَ بلعبةٍ يقال لها النردشيرُ، وإني أحلق بالله لا أوتي بأحدٍ يلعبها إلاَّ عاقبته في شعره وبَشَرِهِ، وأعطيتُ سَلَبَهُ من أتاني به.

وأخرج ابن أبي الدنيا (٣)، والبيهقي (٤) عن ابن عمرَ أنه مرًّ بقوم يلعبونَ بالشاهِ فأحرقها بالنارِ. ويعني بالشاهِ الشطرنجَ، وأخرجَ البيهقيُّ (٥) عن ابن عباس أنه أحرق آلةَ شطرنجٍ وجدَها في مال يتيمٍ.

فهذه أحاديثُ عن رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ وآثارٌ عن جماعةٍ في أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ فيها العقوبةُ لأهل المعاصي بالهدْمِ والإحراقِ والتمزيقِ، ولا فرقَ بينها وبين قطع نخلِ المُضارّ الذي استشكلَه السائلُ ـ ـ كثر الله فوائده ـ وأما نصوصُ أهلِ العلم من أئمةِ المذاهبِ وغيرهم في العقوبة للعصاة بإتلافِ أموالِهم بالهدمِ والإحراقِ والكسرِ والتمزيقِ، وأخْذِ أموالِهم وَوَضْعِها في مصارِفها فهي كثيرةٌ (٦) جدًا، لا يتّسع لها


(١) في "ذم الملاهي" (ص٧٣ رقم ٨٥) بإسناد حسن.
(٢) في "السنن الكبرى" (١٠/ ٢١٦).
قلت: وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" رقم (١٢٧٥).
(٣) في "ذم الملاهي" (ص٨٠ رقم ١٠١) بإسناد صحيح.
(٤) في "الشعب" رقم (٦٥٣٠) و"السنن الكبرى" (١٠/ ٢١٢).
(٥) في "الشعب" رقم (٦٥١٨).
(٦) انظر "جامع الفقه" موسوعة الأعمال الكاملة لابن قيم الجوزية (٦/ ٥٤٨ - ٥٤٩):
قال ابن تيمية: واجبات الشريعة التي هي حق الله تعالى ثلاثة أقسام:
عبادات: كالصلاة، والزكاة، والصيام، وعقوبات إما مقدرة وإما مفوضة وكفارات.
وكل واحد من أقسام الواجبات ينقسم إلى بدني، وإلى مالي، وإلى مركب منهما. فالعبادات البدنية: كالصلاة والصيام.
فالعبادات المالية: كالزكاة، والمركبة: كالحج.
الكفارات المالية: كالإطعام، والبدنية، كالصيام، والمركبة كالهدي يذبح ويقسم. العقوبات البدنية: كالقتل والقطع، والمالية: كإتلاف أوعية الخمر. والمركبة: كجلد السارق من غير حرز، وتضعيف الغرم عليه، وكقتل الكفار وأخذ أموالهم.
العقوبات البدنية: تارة تكون جزاء على ما معنى، كقطع السارق، وتارة تكون دفعًا عن الفساد المستقبل، وتارة تكون مركبة، كقتل القاتل.
وكذلك المالية، فإن منها ما هو من باب إزالة المنكر. وهي تنقسم كالبدنية إلى إتلاف وإلى تغير، وإلى تمليك الغير.
فالأول: المنكرات من الأعيان والصور، يجوز إتلاف محلها تبعًا لها مثل الأصنام المعبودة من دون الله، لما كانت صورها منكرة جاز إتلاف مادتها، فإذا كانت حجرًا أو خشبًا ونحو ذلك جاز تكسيرها وتحريقها، وكذلك آلات الملاهي ـ كالطنبور ـ يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء.
انر: "مجموع الفتاوى" (١١/ ٦٥٩) (٢٨/ ١١٩) (٣٤/ ١٤٨)، "الاختيارات" للبعلي (٥١٥).
قال ابن قيم الجوزية: "وكذلك لا ضمان في تحريق المكتب المضلة وإتلافها".
قال المروزي: قلت لأحمد: استعرت كتابًا فيه أشياء رديئة، ترى أن أخرقه أو أحرقه؟ قال: نعم. وقد رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيد عمر كتابًأ اكتتبه من التوراة، وأعجبه موافقته للقرآن، فتمعَّر وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ذهب به عمر إلى التنور، فألقاه فيه".
أخرجه ابن كثير في تفيسره (٤/ ٢٩٦) وأخرجه أحمد (٣/ ٣٨٧) بنحوه. قال الألباني في "الإرواء" حديث حسن (٦/ ٣٤ - ٣٨ رقم ١٥٨٩).
قال ابن القيم: فكيف لو رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما صنف بعده من الكتب التي يعارض لها من القرآن والسنة؟ والله المستعان.
وكل هذه الكتب المتضمنة لمخالفة السنة غير مأذون فيها، بل مأذون في محقها وإتلافها، وما على الأمة أضر منها. وقد حرق الصحابة جميع المصاحف المخالفة لمصحف عثمان، لمّا خافو على الأمة من الاختلاف، فكيف لو رأو هذه الكتب التي أوقعت الخلاف والتفرق بين الأمة؟!.