المتغَلاَّتِ، واختلاف صفة السَّعي في المكاسب، فربَّما كان بعضُهم عاملاً في إصلاح المستغَلاَّتِ وتثميرِها، وبعضُهم كاسبًا بالتجارةِ، وبعضهم بأعمال يعملُها مع الملوك وأعوانِهم، ويكون لكلِ واحد من الدخولات ما يصعبُ ضبطهُ، ومن المستغرقات ما يبعدُ الوقوفُ عليه.
قلتُ: ليس على من يتولَّى خصومتَهم، ويتصدَّرُ لِقِسْمَتِهم إلاَّ إبلاغُ الجهدِ، وإمعانُ النظرِ على وجهٍ لا يكون غيرُه أقرب منه، وليس عليه غيرُ ذلك، ولا يُكلَّفُ بما يخرجُ عن طاقتِهِ، فينظرُ غالبَ ما يحصِّلُه كلُّ واحد منهم من كسبه، وغالبَ ما يستغرقُهُ من الأرباح، ويعمل على ذلك. ومن ادَّعى زيادةً على ما هو الغالب، أو نقصًا كان عليه البيِّنةُ.
وإذا أضافَ بعضُ المشتركينَ شيئًا من المكتسبات إلى نفسه فهذا على وجهين:
أحدُهما: أن يكون قد سبقَ التراضي بينَهم على أن يكون ما كسبُوه بينهم على الاستواء، أو أن يكونَ لكل واحد منهم نصيبٌ معلومٌ.
الثاني: أن لا يكون قد سبق بينهم تراض، ولا وُجِدَ عُرْفٌ مُتَّفقٌ عليه، معمولٌ به.
فالوجه الأول: يكون العمل فيه على التراضي، ولا حُكْمَ لما وقع من الإضافات المخالفةِ له، بل هي لاغيةٌ باطلةٌ، لأنَّ المضيفَ قد سبق منه ما هو مناطٌ شرعيٌّ مخالفٌ لما خصَّ به نفسَه من الحِيَل الباطلة، والاستبدادِ المردود. ومَنْ جَعَلَ لتلكَ الإضافة المخالفةِ للتراضي حكمًا فهو لا يعقلُ ما توجِبُهُ المناطاتُ الشرعيةُ من بطلان ما يردُّ عليها مما يخالفُها، فيشتركُ المجتمعون في الأعيان المكسوبةِ على قدرِ ما تراضَوْا عليه، ولا اعتبارَ بالتخصيص.
وأما الوجهُ الثاني: وهو عدمُ وجودِ التراضي بينَهم على صفة معلومةٍ في قسمة ما حصلَ لهم، فمن أضاف إلى نفسه شيئًا صار ملكًا له، لأن تلك الإضافة مناطٌ شرعيٌّ غيرُ مسبوقٍ بمناطٍ يخالفُه، فيختصُّ المضيفُ بما أضافه إلى نفسه كائنًا ما كان، ويحسب عند قسمة ما استفادُوهُ معهم من نصيب المضيف الحاصلِ له من مجموع ما حصلَ لهم من