للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صحيحًا لما أطلقوه؟ قال ابنُ عبد البر (١): قال الكوفيون: الخمرُ من العنب [٢] لقوله تعالى: {أَعْصِرُ خَمْرًا} قالوا: فدل على أن الخمر هو ما يعتصر لا ما [يُنبذ] (٢)، قال: ولا دليل فيه على الحصر.

وقال أهل المدينة وسائرُ أهل الحجاز وأهل الحديث كلهم: كل مسكر خمرٌ وحكمُه حكمُ المتّخذ من العنب.

ومن الحجة لهم أن القرآن نزل بتحريم الخمر فهِمَ الصحابةُ وهم أهلُ اللسانِ أن كلّ شيء يسمى خمرًا يدخل في النهي، فأراقوا المُتخذ من التمر والرُطب ولم يخصّوا ذلك بالمتخذ من العنب. وعلى تقدير التسليم فإذا ثبت تسميةُ كل مسكرٍ خمرًا من الشارع كان حقيقةً شرعيةً، وهي مقدمةٌ على الحقيقة اللغوية، كما تقرر في الأصول (٣).

والجواب عن قوله: إن تحريم الخمر قطعيٌّ وتحريم ما عدا المتخذ من العنب ظنيٌّ بأن اختلاف مشتركين في الحكم في الغلط لا يلزم منه [افتراقهما] (٤) في التسمية كالزنا مثلاً، فإنه يصدق على من وطِئَ أجنبيةً وعلى من وطئ امرأةَ جارِه، والثاني أغلظُ من الأول كما ثبت في الحديث الصحيح (٥) أن ذلك من أكبر الكبائر، وكذلك يصدق اسمُ الزنا على وطئ المَحْرم وهي أغلظُ من وطء من ليست كذلك.

وأيضًا الأحكامُ الشرعيةُ لا يشترط فيها الأدلةُ القطعيةُ ...............................


(١) في "التمهيد" (١/ ٢٤٤).
(٢) في (أ) ينبذه.
(٣) انظر "إرشاد الفحول" (١٠٧ - ١١٢) وقد تقدم.
(٤) في (ب) اقترافها.
(٥) أخرج البخاري في صحيحه رقم (٤٤٧٧، ٧٤٦١، ٦٠٠١، ٦٨١١، ٧٥٢٠) ومسلم رقم (٨٦) والترمذي رقم (٣١٨٢) والنسائي (٧/ ٨٩، ٩٠) عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: "أن تجعل لله ندًا، وهو خلقك" قلت: إنّ ذلك لعظيم، ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك" قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك".