للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاختلَّت عقولُهم.

وقال ابن دقيق العيد (١) في الجوزة: إنها مسكرة، وقله عنه المتأخرون من الحنفية والشافعية والمالكية واعتمدوه وذكر ابنُ القسطلاني (٢) في تكريم المعيشة أن الحشيشة ملحقةٌ بجوزة الطيب والزعفران والأفيون والبنج، وهذه من المسكرات المخدّرات، وقال الزركشي (٣): إن هذه الأمور المذكورةَ تؤثر في مُتعاطيها المعنى الذي يدخله في حد السكران فإنهم قالوا: السكرانُ هو الذي اختل كلامهُ المنظوم وانشكف سرّه المكتوم، وقال بعضهم: هو الذي لا يعرِف السماءَ من الأرض. ثم نقل عن الغزالي الخلافَ في ذلك.

قيل (٤) والأولى أن يقال: إن أُريد بالإسكار تغطيةُ العقل فهذه كلُها صادقٌ عليها معنى الإسكار، وإن أريد بالإسكار تغطيةُ العقل مع الطربَ فهي خارجةٌ عنه، فإن إسكارَ الخمر يتولّد منه النشأة والنشاطُ والطرَبُ والعَرْبَدة والحميّة، والسكرانُ بالحشيشة ونحوها يكون مما فيه ضدُّ ذلك فتقرر من هذا أنها تحرمُ لِمضرّتها العقلَ ودخولِها في المفتّر المنْهيِّ عنه، ولا يجب الحدُّ على متعاطيها لأن قياسها على الخمر مع الفارق ـ[وقد انتفى] (٥) بعضُ الأوصاف ـ لا يصح، كذا قيل.

والحاصلُ أن الحشيشةَ وما في حكمها مما له عمَلُها لا شك ولا ريب في تحريمها لأنها إن كانت من المسْكرات فهي داخلةٌ في عموم أدلةِ تحريمِ المسْكر، وقد عرفْتَ مَنْ جزَم بأنها مسكرةٌ، وإن كانت من المُفترات والمخدّرات فهي محرمةٌ بالحديث المتقدِّم في تحريم كلّ مُفْتر [٨]، ولا يخرُج عن هذين الأمرين أصلاً.


(١) ذكره الأمير الصنعاني في "سبل السلام" (٧/ ١٨١).
(٢) ذكره الآبادي في "عون المعبود" (١٠/ ٩٢).
(٣) ذكره الآبادي في "عون المعبود" (١٠/ ٩٣).
(٤) ذكره الآبادي في "عون المعبود" (١٠/ ٩٣).
(٥) كذا في المخطوط [أ. ب. جـ] وصوابه [وهو انتفاء]. انظر المصدر السابق.