للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقال فيما نحن بصدده مثلاً، الأحاديث القاضية بتحريم الأحمر أقوال وهي أرجح من الأفعال، فلا يتم ذلك أيضًا؛ لأنه مصير إلى الترجيح مع إمكان الجمع وهو غير جائز إجماعًا. وأما الثاني فقد تقرر بنص الكتاب والسنة.

أن التأسي بأفعاله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ثابت على الأمة كالتأسي بأقواله، فالقول بالاختصاص في غير ما تبين وجهه خلاف الظاهر بالإجماع فلا يصار إليه إلا لموجب.

إذا تقرر هذا عرفت أن ما ذكرناه من الجمع بتحريم المعصفر وحده متعين، لا يتم العمل بجميع الأدلة المختلفة على وجه حسن، وعدم الترك لبعضها أو التعسف في تأويل ما لا ملجئ إلى تأويله إلا به. وهذا على فرض عدم العلم بالتاريخ، فكيف وقد علم أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لبس الأحمر بعد حجة الوداع (١)، ولم يلبث - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بعدها إلا نحو ثلاثة أشهر!.

وقد تقرر في الأصول (٢) أن المتأخر ناسخ للمتقدم مع عدم إمكان الجمع، سواء كان المتأخر قولا أو فعلا مصحوبًا بدليل التأسي الخاص والعام على خلاف في ذلك، مرجعه إلى شمول القول له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بطريق التنصيص أو الظهور، أو اختصاصه بسائر الأمة دونه.

وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية، والله ولي التوفيق، حرر الجواب في سلخ شهر ربيع الآخر سنة ١٢٠٩ [١٣].


(١) انظر " فتح الباري " (١٠/ ٢٥٩، ٣٠٦).
(٢) انظر " البحر المحيط " (٤/ ١٢٧)، و" إرشاد الفحول " (ص٦٠٥) وما بعدها. انظر " فتح الباري " (١٠/ ٣٠٦).