للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إسلامه عنهم: " لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم [١١] ولا نصيفه " (١) فإذا كان مثل أحد ذهبًا من المتأخرين من الصحابة المخاطبين بهذا الخطاب لا يبلغ مد أحد متقدميهم ولا نصيفه فما أظنه يبلغ مثل أحد ذهبًا منا مقدار حبة من أحدهم ولا نصيفها، فرحم الله امرءًا اشتغل بالقيام بما أوجبه الله عليه، وطلبه منه، وترك ما لا يعود عليه بنفع لا في دنيا ولا في آخرة، بل يعود عليه بالضر، ولو لم يكن من الضر إلا مجرد مخالفة ما أرشدنا إليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " (٢) [لكفى] فهذا - والله - مما لا يعنينا، ومن ظن خلاف هذا فهو مغرور مخدوع، قاصر الباع عن إدراك الحقائق، ومعرفة الحق على وجهه كائنًا من كان.

والله لو جاء أحدهم يوم القيامة بما يملأ الدنيا من الحسنات ما كان لنا من ذلك شيء، ولو جاء أحدهم (وصانهم الله) بما يملأ الدنيا من السيئات ما كان علينا من ذلك شيء، ففيم التعب، وعلام تضيع الأوقات في هذه الترهات (٣)!؟.


(١) أخرجه البخاري رقم (٣٦٣٧) ومسلم رقم (٢٥٤١) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(٢) تقدم تخريجه. وهو حديث حسن.
(٣) قال القاضي عياض في " الشفا " (٢/ ٦١١ - ٦١٥):
من توقيره وبره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
١ - توقير أصحابه وبرهم ومعرفة حقهم.
٢ - الاقتداء بهم.
٣ - وحسن الثناء عليهم.
٤ - الاستغفار لهم.
٥ - الإمساك عما شجر بينهم.
٦ - معاداة من عاداهم.
٧ - الإضراب عن أخبار المؤرخين، وجهلة الرواة وضلال الشيعة والمبتدعين القادحة في أحد منهم.
٨ - أن يلتمس لهم فيما نقل عنهم من مثل ذلك فيما كان بينهم من الفتن أحسن التأويلات، ويخرج لهم أصول المخارج إذ هم أهل لذلك.
٩ - لا يذكر أحد منهم بسوء، ولا يغمض عليه أمر، بل تذكر حسناتهم وفضائلهم وحميد سيرتهم، ويسكت عما وراء ذلك.
كما قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إذا ذكر أصحابي فأمسكوا " من حديث عبد الله بن مسعود. وهو حديث حسن بشواهده.
تقدم تخريجه. انظر الرسالة رقم (٢٠، ١٩، ٢١). وانظر: " العقيدة الواسطية " لابن تيمية (ص٢٥): حيث قال " ويمسكون - أي أهل السنة - عما شجر بين الصحابة - رضي الله عنهم - ويقولون إن هذه الآثار المروية في مساوئهم، منها ما هو كذب، ومنها: ما قيد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه ".
والصحيح منه هم معذورون: إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون ".