- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - استنادًا إلى ذلك، وهذا أيضًا أعم.
الوجه الخامس والأربعون: أن هذه الوجوه وإن كان بعضها لا يخلو عن تكلف فقد أوجب المصير إليها ما ذكره أئمة الأصول أن يتعين تأويل ما كان معارضًا لما هو أرجح منه بما أمكن من طرف التأويل، ولو كان بعيدًا؛ لأن التأويل جمع وهو مقدم على الترجيح.
الوجه السادس والأربعون: لا يقال إن لفظة (كان) لما كانت تفيد التكرار كما قدمنا حكايته عن أهل الأصول بطل كثير من هذه التأويلات؛ لأن لفظ الصحابي الحاكي لفعل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قد أشعر بوقوع ذلك المحكي منه مرة بعد مرة، لأنا نقول: لا مانع من تأويل ما وقع متكررًا، غاية الأمر أنه لم يتفق الوجه الذي وقع التأويل به؛ بل وقع مختلفًا تارة على وجه من هذه الوجوه، وتارة على وجه آخر.
الوجه السابع والأربعون: أن قول أبي موسى في الحديث الذي ذكرناه بلفظ آخر للحديث الذي أورده السائل - عافاه الله - إنما كان ذلك في الدابة والشاة والبعير يدل على أن القضاء على من لم يحضر على الوعد إنما يكون في مثل هذه الأمور، لا فيما هو أعظم منها. وسيأتي تكرير هذا الوجه مع زيادة.
الوجه الثامن والأربعون: أن قول أبي موسى أيضًا: والذي نحن فيه أمر الناس يدل على أن هذه المحاورة وقعت بينه [٦أ] وبين معاوية في شأن الاختلاف في الخلافة، ولعل ذلك كان عند مسير أبي موسى إلى الشام قبل أيام صفين، ولا يصح أن يكون ذلك عند الحكومة بدومة الجندل؛ لأن معاوية لم يحضرها (١). وفي ذلك ما يفيد أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لم يحكم في الأمور العظيمة بمجرد اختلاف أحد الخصمين.
الوجه التاسع والأربعون: إن قلت: إذا كان ذلك الحديث قد وجدنا في إسناده من لا تقوم به الحجة لتضعيف أكثر الأئمة له فأي فائدة في هذا التكثير.
(١) انظر " البداية والنهاية " لابن كثير (٧/ ٢٩٠ - ٢٩٤).