للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول: إن هذا المدعى عليه بهذه الدعاوى وما أشبهه، يحلف ويرسل بلا حبس ولا غيره، وليس في تحليفه وإرساله مذهب لأحد من الأئمة ولا غيرهم، ولو حلفنا كل واحد وأطلقناه، وخلينا سبيله، وقلنا: إنا لا نأخذه إلا بشاهدي عدل، كان مخالفًا للسياسة الشرعية، ومن ظن أن الشرع تحليفه وإرساله فقد غلط غلطًا فاحشًا.

أقول: هذا خارج عن محل النزاع بكل حال: فإن ابن القيم إنما أرشد في كلامه هذا إلى التثبيت والتأني، وعدم الجزم بظاهر الشرع في مثل الأمور العظيمة من دون إعمال للسياسة الشرعية، وهكذا نقول وبه نعمل، ولكن ليس في هذا أنه يحكم على ذلك الذي سرق أو قطع [الطريق] (١) أو قتل بغير الوجه الذي شرعه الله لعباده، ولا فيه أن يحكم على هؤلاء الأشراف الذين تظلموا إلينا وإليكم بهتك حرمتهم، وبقاء أعوان ذلك العريف الظالم في بيوتهم، وأخذ شطر من مالهم بلا مدع يدعي عليهم، ولا شاهد يقول إنه شاهدهم ولا، ولا، ولا.

وأيضًا فقد قال ابن القيم (٢) - رحمه الله - بعد كلامه هذا الذي نقلتم عنه ما لفظه: ولأجل هذا الغلط تجرأ الولاة على مخالفة الشرع، وتوهموا أن السياسة الشرعية قاصرة عن سياسة الخلق ومصلحة الأمة، فتعدوا حدود الله، وخرجوا عن الشرع إلى أنواع الظلم. انتهى بحروفه.

فهذا كلامه، وهو حجة عليكم لا لكم، إذا أنصفتم، ومع هذا كله فاحتجاجكم - كثر الله فوائدكم - بكلام ابن القيم لو فرضنا أنه قد قال في كلامه - وصانه الله - أن ما فعله عريف بلاد الروس بالأشراف سائغ جائز.

لم يكن بصواب، فليس الحجة تقوم بكلام عالم، بل الحجة كلام الله، وكلام رسوله وإجماع الأمة عند القائل به، ولا سيما خطابكم هذا مع رجل قد خلع ربقة التقليد من


(١) في المخطوط الظن والصواب ما أثبتناه.
(٢) في " أعلام الموقعين " (٣/ ٩ - ١٠).