للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- إحياء مدارس العلم، بنصب المدرسين والمفتين.

- إمساك أهل الجسارة عما يريدونه من الفساد في الأرض، بهيبة السلطان ومخافة الإيقاع بهم، فإن كثيرًا بل الأكثر لولا مخافة السلطان لكان له من الأفاعيل ما لم يكن في حساب، ولهذا ترى من لا سلطان عليه، في جميع البلاد، يفعل ما ترتجف منه القلوب، وتذرى منه الدموع، ورحم الله الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز فإنه قال: " إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " (١).

وصدق فما قاله هو الحق، الذي يعلمه كل عاقل، فإن غالب الناس، لولا مخافة عقوبة السلطان له لترك الواجبات، إلا النادر، وفعل من المنكرات ما لا يأتي عليها الحصر.

وأما أهل المخافة من الله عز وجل، الذين يفعلون الواجب؛ لكونه أوجبه الله عليهم، ويتركون المنكرات؛ لكون الله عز وجل نهاهم عنها، فهم أقل قليل. ومن أنكر شيئًا من هذا، فليبحث عن حقائق الأمور، وينظر في مصادرها ومواردها، وأحوال الفاعلين لها، حتى يتضح له أن الأمر كما قاله عمر بن عبد العزيز رحمه الله.

وأما كون للسلاطين معاص كبيرة، فإنه قد تأخذه الغضبية فيسفك الدماء ويستحل الأموال المحرمة، وقد يهلك أهل القرية بسبب شذوذ فرد منهم عن طاعته، وقد تشده نفسه إلى ما في يد الرعايا فيأخذ منها لإعلاء قانون الشريعة المطهرة، وينصب لذلك شباك الحيل، وذرائع الظلم. وقد يطاوع نفسه الشهوانية، فيفعل ما تشتهيه، ويرتكب في محرمات الله عز وجل، ويفعل ما يريده، لعدم نفوذ قول قائل عليه، إذ لا سلطان عليه، إلا من عصم الله وقليل ما هم.

حكي عن بعض سلاطين الإسلام، أنه كان يجتمع مع من يجالسه على كثير من اللهو والفسوق، وكان في المدينة، التي هو فيها، رجل صالح ينكر ما يبلغه من المنكرات، وإذا رأى إناء فيه خمر كسره، فمر يومًا من تحت دار السلطان، فقال السلطان لبعض


(١) انظر التعليقة السابقة.