للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أن شرع حد القذف إنما كان لدفع النقيصة، ودفع العار، ولا عار ولا نقيصة [٥أ] أبلغ من عار اللواط ونقيصته عقلاً وشرعًا وعادة، مع كونه يصدق عليه أنه زنا لغة وشرعًا وعرفًا.

وإذا تقرر لك ما قدمناه علمت أنه قد دل على إثبات الجلد على قاذف الرجل القرآن الكريم، وهو قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ... } الآية. وإنما خص المحصنات لأن الغالب أن يكون القاذف لهن لكونهن أسرع إلى الوقوع في المعصية، وهن أصل الفتنة ومنشأ البلية، وهذا وجه للتغليب، ثم لو سلمنا اختصاص هذه الصيغة بالنساء، وأنه لا وجه للتغليب لكان القياس الصحيح السالم عن المطاعن، والاعتراض الجامع للأركان دليلاً كافيًا. ثم إجماع الأمة سلفها وخلفها في كل عصر بعد إجماع الصحابة، ووقوع ذلك من الخلفاء الراشدين الذين هم أهل الشرع، ومن أهل اللغة، فإن كان المبحث لغويًا فهم من أهل اللغة، وإن كان شرعيًا فهم من أهل الشرع، فعلى كل حال هم أعرف بمقاصد القرآن، ومعاني الشريعة، وقد قال فيهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -- فيما أخرجه أهل السنن وغيرهم: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين الهادين عضوا عليها بالنواجذ " (١) فإن هذا النص النبوي مشعر بصلاحية ما وقع من الخلفاء الراشدين للحجية على فرض عدم وجود ما يدل عليه في الشريعة، لا إذا وقع مخالفًا لما هو ثابت فيها.

ثم قد ثبت عند أحمد (٢)، وأبي داود (٣)، وغيرهما (٤) في قصة الملاعنة أن من رماها أو


(١) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.
(٢) في " المسند " (١/ ٢٣٨ - ٢٣٩).
(٣) في " السنن " رقم (٢٢٥٦).
(٤) كأبي داود الطيالسي في مسنده (١/ ٣١٩ - ٣٢٠ رقم ١٦٢٠ - منحة المعبود). والبيهقي في " السنن الكبرى " (٧/ ٣٩٤ - ٣٩٥) من حديث ابن عباس. وهو حديث صحيح.