للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قول الجلال - رحمه الله -: حتى روي أن عليا قال: إن حددتهم فارجم المغيرة (١). وفي رواية: فأعط صاحبك حجارة. ولا وجه لترتيب الرجم على حد


(١) قال الأمير الصنعاني في " منحة الغفار حاشية على ضوء النهار " (٤/ ٢٢٧٣): في هذا النقل تسامح فإن الذي في تاريخ ابن خلكان وغيره أن عمر لما لم يتم النصاب على ما رمي به المغيرة بعد شهادة الثلاثة الذين ذكرهم الشارح على المغيرة بالزنى أمر عمر بحدهم حد القذف فلما تم جلد أبي بكرة قال: أشهد أن المغيرة فعل كذا وكذا فهم عمر أن يضربه حدا ثانيا فقال له علي: إن ضربته فارجم صاحبك.
وهكذا رواية القصة في جميع الكتب التي ذكرت فيها إنما في ألفاظها اختلاف يسير وبهذا عرفت أن عمر جلد الثلاثة وأن كلام علي عليه السلام إنما قاله لما أراد عمر جلد أبي بكرة ثانيا لقذفه المغيرة بعد الجلد.
قال ابن خلكان بعد سياقه القصة كما ذكرنا ما لفظه: قلت وقد تكلم الفقهاء على قول علي رضي الله عنه " إن ضربته فارجم صاحبك " قال أبو نصر الصباغ وهو صاحب كتاب الشامل في المذهب: يريد أن هذا القول إن كان شهادة أخرى فقد تم العدد وإن كان هو الأولى فقد جلدته عليه.
قلت: وقد ذكر ابن السبكي القضية وذكر ما ذكره ابن الصباغ وزاد وجها آخر فقال: معنى قوله: إن جلدته رجمت صاحبك أي أنك إن استحللت جلده من غير استحقاقه إياه فارجم صاحبك. هذا واعلم أن ما ذكره الشارح يقتضي التوقف عن الجزم بإيجاب الجلد على قاذف الرجل سيما والأصل عدم الوجوب فلا يرفع إلا بدليل قائم يقوم هنا على ذلك.
وحديث أبي اليسر الأنصاري لا أدري ما صحته وما أظنه قد سبق الشارح إلى هذا أحد وقد ذكر البحث في حاشيته على الكشاف في سورة النور ثم رأيت بعد أعوام كلاما لأبي محمد بن حزم بعد أن أبطل إثبات جلد قاذف الرجل بالقياس على قاذف المرأة، فقال: ونحن نبين بحمد الله وقوته من أين أوجبنا جلد القاذف للرجل من نص القرآن فنقول وبالله التأييد: إن قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) عموم لا يجوز تخصيصه إلا بنص أو إجماع فيمكن أن يريد الله النساء المحصنات كما قلتم ويمكن أن يريد الفروج المحصنات فقلنا نحن: إنه يريد الفروج المحصنات ووجب علينا البرهان الواضح على دعوانا فقلنا: إن الفروج أعم من النساء لأن الاقتصار من مراد الله على النساء تخصيص لعموم اللفظ وهو لا يجوز إلا بنص أو إجماع وأيضا فإن الفروج هي المرمية بذلك لا غيرها من الرجال والنساء برهان ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) وقوله: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) ومثلها: (وَالحافظين فُرُوجَهُم وَالْحَافِظَات) وقال: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا) فصح أن الفرج هو المحصن وصاحبه هو المحصن له بنص القرآن ثم ساق بسنده حديث أبي هريرة مرفوعًا وفيه: " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة فزنى العينين النظر وزنى اللسان النطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " وساق حديث أبي هريرة الآخر مرفوعًا بمعنى هذا ثم قال فصح يقينا أن المرمية هي الفروج خاصة وأن المحصنة على الحقيقة هي الفروج لا ما عداها وصح أن الزنى الواجب فيه الحد هو زنى الفرج خاصة لا زنى سائر الأعضاء وزنى النفس دون الفرج لا حد فيه بالنص كما أوردنا في العينين تزنيان فمن رمى بالزنى أي عضو من الأعضاء المذكورة بأنها زانية لم يكن راميا ولا حد عليه بالنص لأن الفرج إن كذب ذلك كله فهو لغو فصح يقينا أن الرمي الذي يجب فيه الحدود وشهادة القاذف وفسقه إنما هو رمي الفروج بلا شك بل يقين لا مرية فيه وأن مراد الله تعالى رمي الفروج، وإذا كان كذلك ففروج النساء والرجال داخلات في الآية دخولا مستويا. انتهى. وهو كما تراه من القوة وإن كان سياق آيات النور ظاهرة في رمي النساء فالسياق تصرفه الأدلة عن التخصيص به وإن أبيت فإجماع الصحابة أنهض شيء في هذا الباب ...