للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا مجرد عدم حجيته، فإن الاقتصار على نفي الحجية إنما يكون بعد إثبات أصل ما زعمه الخصم دليلا، ثم بعد هذا كله نسأل تلميذنا - كثر الله فوائده - بم يفسر قولي هكذا في نفسي من كون هذا البحث من كلام تلميذنا شيء؟ هل بمجرد الشك؟ أم بزيادة عليه؟ فقد يكون الواقع في النفس تجد شيئا منتهيا إلى ما هو قريب العلم، كما روي أن كثير [١أ] كان يهاجي المرئي (١)، فبعث إليه بقصيدة قد أعانه جرير بثلاث أبيات فيها هي:

يعد الناسبون إلى تميم ... بيوت المجد أربعة كبارا

يعدون الرباب وآل سعد ... وعمرا ثم حنظلة الخيارا

ويذهب بينها المرئي لغوا ... كما ألغيت في الدية الخوارا

فلما وصل رواية كثير عند إنشاده القصيدة إلى هذه الثلاثة الأبيات قام المرئي (٢) يصرخ ويلطم وجهه، ويقول: ما لي ولجرير! فقالوا له: سمنت عينك، وأين منك جرير؟ هذا شعر كثير، وهذه روايته؟ فقال: هيهات، والله لا يقول كثير هذا.


(١) قال صاحب الأغاني (١٨/ ٢٧٢ - ٢٧٣): لقي ذو الرمة جريرا فقال له: تعصبت على خالك للمرئي، فقال جرير: حيث فعلت ماذا؟ حين تقول للمرئي كذا وكذا، فقال جرير: لأنك ألهاك البكاء في دار مية حتى استقبحته محارمك.
فقال ذو الرمة: لا، ولكن اتهمتني بالميل مع الفرزدق عليك، قال: كذلك هو، قال: فوالله ما فعلت، حلف له بما يرضيه، قال: فأنشدني ما هجوت به المرئي، فأنشده قوله:
نبت عيناك عن طلل بحزوى ... عفته الريح وامتضح القطارا
فأطال جدا، فقال له جرير: ما صنعت شيئا، أفأرفدك؟ قال: نعم قل، فأنشد هذه الأبيات، فمر ذو الرمة بالفرزدق فقال له: أنشدني أحدث ما قلت في المرئي، فأنشده هذه الأبيات، فقال الفرزدق: كذبت وايم الله، ما هذا لك، ولقد قاله أشد لحيين منك، وما هذا إلا شعر ابن الأتان - يعني جريرا -.
" الأغاني " (١٨/ ٢٧٢ - ٢٧٣).
(٢) انظر " الأغاني " (١٨/ ٢٧٤).