للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجزية لقوله: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} (١) فاستدل بها من قال: إنها تؤخذ منهم بإهانة فيجلس الآخذ، ويقوم الذمي، ويطأطئ رأسه، ويحني ظهره، ويضعها في الميزان، ويقبض الآخذ لحيته، ويضرب لهزمته، ويرد به عليهم النووي (٢) حيث قال: إن هذه هيئة باطلة.

واستدل بالآية من قال: إن أهل الذمة يتركون في بلد أهل الإسلام؛ لأن مفهومها الكف عنهم عن أدائها، ومن الكف أن لا يجلوا.

ومن قال: هي عوض حقن الدم فلا أجرة الدار انتهى، والمراد من ذلك أنه يعطونها في حال هم صاغرون فيه أي صغار، إذ الجملة الحالية إنما يقيد العامل بمضمونها، فمعنى وهم صاغرون في حال صغار.

ولا يخفى أن لفظ صغار يصدق بأدنى شيء من الصغار، ولا يشترط أن يخلفه شيء آخر من الصغار.

وأما ما لحظ إليه من الدوام أي دوام كل صغار على كل فرد، فإن أراد الدوام بالفعل فلا يقول له؛ لما يلزم عنه من اللوازم، وإن أراد بالقوة فلا نزاع.

وما في القوة ليس واجب الوجود.

قوله [٣]: واعتبار السكاكي، والشريف، وصاحب المجاز للمقامات غير قادح في المطلوب لقضاء المقام بذلك بلا نزاع فهو إجماع.

أقول: هذا الزمخشري وغيره لم يفهم ما فهمته من دوام الصغار، وعموم أنواع


(١) [التوبة: ٢٩].
(٢) في "روضة الطالبين" (١٠/ ٣١٦): حيث قال: هذه الهيئة المذكورة لا نعلم لها على هذا الوجه أصلا معتمدا، وإنما ذكرها طائفة من أصحابنا الخراسانيين، وقال جمهور الأصحاب، تؤخذ الجزية برفق، كأخذ الديون، فالصواب الجزم بأن هذه الهيئة باطلة مردودة على من اخترعها، ولم ينقل أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أحد من الخلفاء فعل شيئا منها مع أخذهم الجزية.