للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو بوقت دفع الجزية آخذا بظاهر التقييد ممنوع؛ لأن الأولى تحكم محض، والثانية يفت في عضدها أنه يصدق على الذمي أنه معط للجزية في جميع أوقات المصالحة، وإلا لزم بطلان مصالحته، وإهانته في وقت عدم الإعطاء بالفعل وهو باطل.

أقول: أما كونهم لا ينفكون عن الصغار والذلة بالقوة فمسلم، وأما عن الصغار والذلة بالفعل فهو معلوم الانفكاك.

قوله: آخذا بظاهر التقييد ممنوع.

أقول: لا ملجئ إلى مخالفة الظاهر وما أطبق عليه المفسرون وعلماء المعاني والبيان.

قوله: لأن الأولى تحكم محض يعني اختصاصها الصغار ببعض ما فيه الصغار.

أقول: هكذا فسره السلف بصغار مخصوص حال إعطاء الجزية، ولو قلنا بعدم الاختصاص لم يلزمنا إجبارهم على التقاط العذرة، إذا ما صدق عليه الصغار كان في المقصود.

قوله: والثانية يفت في عضدها أنه [٤] يصدق على الذمي أنه معط للجزية في جميع أوقات المصالحة. . . إلخ.

أقول: لعله يريد أن القول بأن الصغار بالفعل يمنع اعتبار الإعطاء بالقوة، ولا يلزم ذلك؛ لأنا نقول: إن الإعطاء في الآية بالفعل، والصغار الذي هو قيد الإعطاء كذلك بالفعل، وإذا حصل الإعطاء والصغار بالفعل صدق عليهم أنهم معطون بالقوة، وصاغرون بالقوة، إذا لكانت بالفعل وكانت بالقوة ولا عكس.

قوله: إذا عرفت هذا علمت أن إعفاء اليهود عن التقاط الأزبال الذي هو أعظم أنواع الصغار وأهمها لا سيما مع استلزامه لإلصاق هذا العار الهادم لكل شعار بالمسلمين لا محالة يعود على الغرض المقصود من المصلحة الباعثة على المصالحة بالنقص.

أقول: الإجماع حاصل على جواز تأييد صلح الكتابي (١) بالجزية وأنواع الصغار


(١) قال ابن قدامة في "المغني" (١٣/ ٢٠٧): ولا يجوز عقد الذمة المؤبدة إلا بشرطين:
الأول: أن يلتزموا إعطاء جزية في كل حول.
الثاني: التزام أحكام الإسلام، وهو قبول ما يحكم عليهم من أداء حق أو ترك محرم لقوله تعالى: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) [التوبة: ٢٩].
وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فادعهم إلى أداء الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم" ولا تعتبر حقيقة الإعطاء، ولا جريان الأحكام؛ لأن إعطاء الجزية إنما يكون في آخر الحول، والكف عنهم في ابتدائه عند البدل، والمراد بقوله: (حتى يعطوا الجزية) أي يلتزموا الإعطاء ويجيبوا إلى بذله كقوله تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) والمراد به التزام ذلك دون حقيقته. . . . .