للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبين أن يدخل مكة.

قال ابن كثير (١) وهو الأظهر؛ لأنه لما وجه الذم في حق اليهود والنصارى شرع في ذم المشركين، فهذه الأقوال كما ترى، ولم يذكر أنها نزلت في اليهود، وإنما استدل القاضي بها؛ لأن العام لا يقصر على سببه، وفيه الخلاف المشهور في الأصول، فإن تقرر عنده ذلك فله الاستدلال بها.

الطرف الثاني: أنه قال: إن تعيين ما به الخزي لا يكون إلا توفيقا، وقد سبقه إلى كون الخزي في الدنيا أعم من ذلك ابن كثير (٢) لكن نقول: من جعل الآية عامة للنصارى واليهود فسر الخزي لكل ما يليق به ويناسبه، ففسر السدي وعكرمة ووائل بن داود الخزي في الدنيا المهدي (٣) وفسره (٤) قتادة بأداء الجزية وهم صاغرون، فهذه الأقوال المحكية عن السلف محتملة للتوقيف، ومحتملة للوقف، لكن الحمل على الطرف الأول أولى، حملا لهم على السلامة من أن يقولوا في كتاب الله برأيهم.

والثاني: فهو الوقف إن كان نظرهم أدى إلى ذلك فذلك مراد الله منهم أنه قال جل وعلا: {لهم في الدنيا خزي} ففهموا أنه إذا حصل أي خزي عظيم فقد كفى، إذ بحصول خزي واحد يصدق أن لهم خزي أي واقع بهم، أو وقع فتصدق الآية عليه.

ولو كان المطلوب منا كل خزي، أو خزي معين عنده تعالى لا نعرفه نحن، وطلب الشارع منا إصابته لكان في ذلك من الحرج والمشقة ما لا يخفى، إذ لا يمكن إنزال كل خزي بهم، ولا نعرفه أنه لم يبق خزي في الدنيا إلا أنزلناه بهم، إذ تحوز العقل أن الخزي المراد لله سبحانه وتعالى لم يصادفه ولم يصبه، فلا يزال يتطلب ذلك، ويلزم من ذلك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لم ينزل بهم الخزي الذي أراده، ولا أحد من صحابته


(١) في تفسير (١/ ٣٨٨).
(٢) في تفسيره (١/ ٣٩٠).
(٣) ذكره ابن كثير في تفسيره (١/ ٣٩٠).
(٤) ذكره ابن كثير في تفسيره (١/ ٣٩٠).