للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القيامة حتى ينفخ فيها الروح وما هو بنافخ" (١).

فهذه الأحاديث فيها التصريح بأن المصورين يعذبون في النار، وهي من أعظم الأدلة الدالة على تحريم ذلك، لأنه لا يوجب عذاب النار إلا ما هو محرم شرعًا، وهي أيضًا أدل على التحريم من مجرد النهي، فإن النهي قد يكون مصروفًا من معناه الحقيقي، وهو التحريم إلى معناه المجازي، وهو كراهة التنزيه لقرينة توجب ذلك، كما هو مقرر في الأصول بخلاف الوعيد بالنار، فإنه يدل على التحريم دلالة لا يصرفها صارف، ولا يخرج الأمر الذي وقع الوعيد عليه بالنار عن التحريم إلا بدليل يدل على نسخه، وارتفاع حكمه.

ومن جملة الأدلة الدالة على قبح التصوير أحاديث منها: "إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه تماثيل" (٢). ومنها: أحاديث فيها التصريح بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - غير ذلك.


(١) قال البخاري في "الفتح" (١٠/ ٣٩٤): قال الكرماني: ظاهره أنه من تكليف ما لا يطاق، وليس كذلك وإنما القصد طول تعذيبه وإظهار عجزه عما كان تعاطاه ومبالغة في توبيخه وبيان قبح فعله. وقوله: "ليس بنافخ" أي لا يمكنه ذلك فيكون معذبًا دائمًا. وقد تقدم في "باب رقم ٨٩ عذاب المصورين" من حديث ابن عمر أنه يقال للمصورين أحيوا ما خلقتم وأنه أمر تعجيز، وقد استشكل هذا الوعيد في حق المسلم، فإن وعيد القاتل عمدًا ينقطع عند أهل السنة مع ورود تخليده يحمل التخليد على مدة مديدة. وهذا الوعيد أشد منه لأنه معينًا بما لا يمكن وهو نفخ الروح، فلا يصح أن يحمل على أن المراد أنه يعذب زمانًا طويلاً ثم يتخلص، والجواب أنه يتعين تأويل الحديث على أن المراد به الزجر الشديد بالوعيد بعقاب الكافر ليكون أبلغ في الارتداع وظاهره غير مراد، وهذا في حق العاصي بذلك، وأما من فعله مستحلاً فلا إشكال فيه ... "
(٢) أخرج البخاري في صحيحه رقم (٥٩٥٨) ومسلم رقم (٢١٠٦) والترمذي رقم (٢٨٠٥) والنسائي رقم (٨/ ٢١٢، ٢١٣) وابن ماجه رقم (٣٦٤٩) من حديث أبي طلحة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب أو صورة".
وفي رواية عن أبي طلحة الأنصاري قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة تماثيل". أخرجه البخاري رقم (٣٢٣٥) ومسلم رقم (٢١٠٦)