للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. ذهب أهل المدينة، ومن وافقهم من علماء الظاهر (١)، وجماعة من الصوفية (٢) إلى الترخيص في السماع، ولو مع العود واليراع (٣). وقد حكى الأستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع أن عبد الله بن جعفر (٤) رضي الله عنه كان لا يرى بالغناء بأسًا (٥)، ويصوغ الألحان لجواريه، ويسمعها منهن على أوتاره، وكان ذلك في زمن أمير المؤمنين علي - كرم الله وجهه -.

وحكى الأستاذ المذكور أيضًا مثل ذلك عن القاضي شريح، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، والشعبي، وقال إمام الحرمين في النهاية، وابن أبي الدم:


(١) انظر: "المحلي" (٩/ ٥٩)
(٢) انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (٥/ ٢٦١)، "الرسالة القشيرية" (٢/ ٦٤٥)
(٣) اليراع: بفتح التحتية وتخفيف الراء بالمهملة، جمع يراعة، أو اسم جنس واحدة يراعه.
انظر: "كف الرعاع" لابن حجر الهيثمي (ص ١٢١).
قال الجوهري في "الصحاح" (٣/ ١٣١٠): اليراع القصب، واليراعة القصبة إذا علمت ذلك علمت أن اليراع متعدد.
(٤) عبد الله بن جعفر بن أبي طالب القرشي يكنى أبا جعفر، ولدته أمه أسماء بنت عميس بأرض الحبشة وهو أول مولود في الإسلام بأرض الحبشة وقدم مع أبيه المدينة، وحفظ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عنه. توفي سنة ثمانين وهو ابن تسعين.
انظر: "الاستيعاب" رقم (١٥٠٦)، "الإصابة" رقم (٤٦٠٩). " سير أعلام النبلاء " (٣/ ٤٥٩).
(٥) قال القرطبي في "الاستيعاب" (٣/ ١٧) كان عبد الله بن جعفر كريمًا، جوادًا ظريفًا، خليقًا عفيفًا سخيًا يسمى بحر الجود ويقال: إنه لم يكن في الإسلام أسخى منه، وكان لا يرى بسماع الغناء بأسًا.
روي أن عبد الله بن جعفر كان إذا قدم على معاوية أنزله له داره، وأظهر له من بره وإكرامه ما يستحقه، فكان ذلك يغيظ فاختة بنت قرظ بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف زوجة معاوية، فسمعت غناء عند عبد الله بن جعفر، فجاءت إلى معاوية، وقالت: هلم فاسمع ما في منزل هذا الرجل الذي جعلته بين لحمك ودمك، قال: فجاء معاوية فسمع وانصرف، فلما كان آخر الليل سمع معاوية قراءة عبد الله بن جعفر، فجاء فأنبه فاختة فقال: اسمعي مكان ما أسمعتني.