للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالحاصل أن خصلتي الصبر والحلم يجتمعان في كون كل واحدة منها خصلة فاضلة موجبة للأجر، محبوبة إلى الله وإلى رسوله، وأما مقدار الأجر والثواب فالصبر أكثر أجرا وأوسع جزاء، وأعظم مثوبة. والله أعلم.

فإن قلت: المفهوم [٢أ] الثاني الذي ذكره صاحب التعريفات للحلم وهو قوله: وقيل: تأخير مكافأة الظالم، ما النسبة بينه وبين المعنى الأول من معنيي الحلم الذي ذكره؟

قلت: الظاهر أن هذا المفهوم هو بالنسبة إلى الله تعالى (١)، كما أن المعنى الأول هو بالنسبة إلى البشر، كما يفيد ذلك ما تقدم ذكره. وعلى فرض أنهما بالنسبة إلى البشر فلعل النسبة بينهما العموم والخصوص من وجه، لأن الطمأنينة عند سورة الغضب قد تكون مع مكافأة متأخرة، وقد يكون لا تقع مكافأة أصلا، وتأخير المكافأة قد تكون مع حضور غضب عند الابتداء، وقد لا يكون مع ذلك، فكان بينهما عموم وخصوص من وجه.

فإن قلت: ما النسبة بين هذا المعنى الأخير الذي ذكره صاحب التعريفات للحلم، وبين المعنى اللغوي؟

قلت: العموم والخصوص المطلق، فإن الأناة والعقل قد تتأخر معهما المكافأة، وقد لا تقع مكافأة بخلاف تأخير المكافأة، فإنه نوع من الأناة ولا يصح أن يوجد بدونها،


(١) أما اتصاف الله سبحانه بالحلم بمعنى البراءة عن الطيش فمعلوم بالبرهان المؤدي إلى معرفة كمال الله تعالى، وأما اتصافه بالحلم بمعنى تأخير العقوبة أو رفعها، فأحدهما معلوم بالمشاهدة، والثاني بالموارد النقلية وإجماع أهل الملة الحنيفية، أما تأخير العقوبة في الدنيا عن الكفرة والفجرة من أهل العصيان فمشاهد بالعيان، لأنا نراهم يكفرون ويعصون، وهم معافون في نعم الله يتقلبون، وأما رفع العقوبة في الأخرى فلا يكون مرفوعًا إلا عن بعض من استوجبها من عصاة الموحدين، وأما الكفار فلا مدخل لهم في هذا القسم ولا لهم في الآخرة حظ من هذا الاسم.
"الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (ص٩٧).