وأما قوله:" كلكم فقير إلا من أغنيته"، فالافتقار كما يكون إلى الطعام والكسوة يكون أيضًا إلى غيرهما من الشراب والمسكن وما يقوم به المعاش في هذه الدار، ثم قال:"إلا من أغنيته": أي " كفيته جميع ما تدعوا حاجته إليه من كل ما لا بد منه، ثم قال:" فسلوني أرزقكم" فأمرهم بالسؤال مطلقا، وقد تقرر في علم البيان: أن حذف المتعلق مشعر بالعموم (١).
فالمعنى: سلوني ما شئتم حتى أرزقكم إياه وأعطيكم ما تطلبون من كل حاجة تحتاجونها كائنة ما كانت.
(١) قال الزركشي في "البحر المحيط" (٣/ ١٦٢) حذف المعمول نحو زيد يعطي ويمنع، يشعر بالتعميم، وقوله: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ) [يونس:٢٥] أي كل أحد وهذا لم يتعرض له الأصوليون، وإنما ذكره أهل البيان، وفيه بحث، فإن ذلك إنما أخذ من القرائن وحينئذ فإن دلت القرينة على أن المقدر يجب أن يكون عاما فالتعميم من عموم المقدر سواء ذكر أو حذف، وإلا فلا دلالة على التعميم فالظاهر أن العموم فيما ذكر إنما هو دلالة القرينة على أن المقدر عام، والحذف إنما هو لمجرد الاقتضاء لا التعميم. وانظر:" معترك الأقران في إعجاز القرآن" (٢٢٨ - ٢٣٠).