للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أطاعوا فذاك، وإن أبوا خرجوا كرها شاءوا أم أبوا.

فحرمة هذا البيت العظيم فوق كل حرمة، وشرفه الله فوق كل شرف، وهؤلاء المسؤول عنهم إن كانوا على الصفات المذكورة فليسوا من القوم الذي ينزلون بهذا البيت العظيم، ولا هم من الوفد الذين يقفون فيه بل هم من الهاتكين لحرمته التي عظمها الله، المانعين لمن وفد إليه من عباده، وهل يعد التقذير بالنجاسات، وكشف العورات من عمل يخالف تلك الحرمة، وينافي تلك العظمة، ويضاد ذلك الشرف، وينافي تلك الجلالة ولو لم يكن من أفعال هؤلاء إلا تصغير حرمة البيت الحرام عند القاصدين له من أقطار المعمورة، فإنها داره عند وفوده إليه، ووقوفه بأبوابه، وهو على تلك الصفات قد احتجز أكثر أمكنته هؤلاء المقذرة ثيابهم، البادية سوآتهم، ورأى فيه النجاسات والقاذورات، وسمع صراخهم وعويلهم حتى كأنهم في سوق من الأسواق، أو حمام من الحمامات، وكان هذا الوافد من أطراف الأرض من عوام أهلها، فمعلوم لكل عاقل أنه يقع في خاطره، ويثبت في تصوره غير ما كان يعتقده، ودون ما كان يسمعه. وهذه مفسدة عظيمة تقتضي وحدها تنزيه البيت عنهم إذا لم يتركوا ما صاروا فيه من التلاعب [٢ب] بهذه الحرمة العظيمة، والتهاون بهذه المزية الشريفة.

فإن قال قائل: لهم حرمة. قلنا: أي حرمة إن كان فعله هذا الفعل في أشرف بقاع الأرض، ولو سلمنا الحرمة لكانت حرمة البيت أعظم من حرمتهم، وما حصل فيه من هتك حرمته، وتصغير عظمته، ومنع الوافدين - إلى بيت الله الكريم - من الطاعات، تارة بالحجز لأمكنته، وتارة برفع الأصوات المشوشة لكل مصل فيه أعظم وأطم مما حصل فيهم من الإخراج منه إذا لم يمتثلوا للوقوف فيه على ما يسوغه الشرع، ويجوزه الدين. ومعلوم أن التسوية التي أثبتها الله للحرم الشريف، والمسجد المعظم بقوله: (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) (١) لم يرد بها التسوية بين الطاعة والمعصية في الحق والباطل،


(١) [الحج:٢٥]