(٢) [الحجرات:١٢]. قال الألوسي في "روح المعاني" (٢٦/ ١٥٨) تمثيل لما يصدر عن المغتاب من حيث صدوره عنه ومن حيث تعلقه بصاحبه على أفحش وجه وأشنعه طبعا وعقلا وشرعا مع مبالغات من فنون شتى، الاستفهام التقريري من حيث أنه لا يقع إلا في كلام هو مسلم عن كل سامع حقيقة أو ادعاء، وإسناد الفعل إلى أحد - إيذانا بأن أحدا من الأحدين لا يفعل ذلك وتعليق المحبة بما هو في غاية الكراهة، وتمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان، وجعل المأكول أخا للآكل وميتا، وتعقيب ذلك بقوله: (فَكَرِهْتُمُوهُ) حملا على الإقرار وتحقيقا لعدم محبة ذلك أو لمحبته التي لا ينبغي مثلها. وكنى عن الغيبة بأكل الإنسان للحم مثله؛ لأنها ذكرت المثالب وتمزيق الأعراض المماثل لأكل اللحم بعد تمزيقه في استكراه العقل والشرع له. وجعله ميتا؛ لأن المغتاب لا يشعر بغيبته. ووصله بالمحبة لما جبلت عليه النفوس من الميل إليها مع العلم بقبحها. قال أبو زيد السهيلي: ضرب المثل لأخذ العرض بأكل اللحم؛ لأن اللحم ستر على العظم، والشاتم لأخيه كأنه يقشر ويكشف ما عليه انظر:" الجامع لأحكام القرآن" (١٦/ ٣٣٧ - ٣٣٩). قال محيي الدين الدرويش في "إعراب القرآن الكريم" (٩/ ٢٧٥): الاستعارة التمثيلية الرائعة في قوله تعالى: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ). فقد شبه من يغتاب غيره بمن يأكل لحم أخيه ميتا وفيها من المبالغات: ١ - الاستفهام الذي معناه التقرير كأنه أمر مفروغ منه مبتوت فيه. ٢ - جعل ما هو الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة. ٣ - إسناد الفعل إلى كل أحد للإشعار بأن أحدا من الأحدين لا يحب ذلك. ٤ - أنه لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان وهو أكره اللحوم وأبعثها على التقزز حتى جعل الإنسان أخا. ٥ - أنه لم يقتصر على أكل لحم الأخ حتى جعله ميتا. إن الغيبة على ثلاث أضرب: ١ - ):أن تغتاب وتقول لست أغتاب؛ لأني أذكر ما فيه فهذا كفر، ذكره الفقيه أبو الليث في "التنبيه" لأنه استحلال للحرام القطعي. ٢ - ): أن تغتاب وتبلغ غيبة المغتاب فهذه معصية لا تتم التوبة عنها إلا بالاستحلال؛ لأنه أذاه فكان فيه حق العبد أيضا، وهذا محمل قوله عليه الصلاة والسلام:" الغيبة أشد من الزنا" قيل: وكيف؟ قال: "الرجل يزني ثم يتوب فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه". ٣ - ): إن لم يبلغ الغيبة فيكفيه التوبة والاستغفار له ولمن اغتابه.