للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوبر " (١) ونحو ذلك مما سيأتي بيانه.

على أن هاهنا [٤] أمرا آخر، وهو أن البدعة القبيحة إنما هي البدعة في الدين، لا في مثل ما يقع به التحاور في المخاطبة والمكاتبة، فإن ذلك ليس من البدعة التي يقول فيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وكل بدعة ضلالة" (٢). وبيانه أنه لو كان التخاطب بالقلم أو اللسان المخالف للتخاطب الذي كان يفعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو وأهل عصره بدعة لكان التخاطب والتكاتب بغير اللسان العربي بدعة، ولكان رسم الحروف الكتابية على غير الرسم الذي كان يفعله أهل عصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدعة، ولكان اللبس للثياب التي لم يلبسها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما هو حلال للابسه بدعة، ولكان أكل الطعام الحلال الذي لم يأكله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدعة. ثم يسري الأمر إلى الأزمنة والأمكنة والأحوال، فيقال إنه لا يكون متسننا إلا إذا فعل فعلا موافقا للفعل الذي فعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الزمان والمكان والأحوال، وذلك محال، والتكليف به تكليف بما لا يطاق، ومعلوم أن أكثر أهل الملة الإسلامية، بل أكثر أهل الربع المسكون ليست ألسنتهم بعربية، وهم يتخاطبون ويتكاتبون بغير اللسان العربي، وبغير القلم العربي، فإن كانوا بذلك مبتدعين كان ذلك خرقا للإجماع.

ولا فرق بين من يخالف وصفا من أوصاف ما كانت عليه مكاتباته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كالعنوان الذي فيه من فلان بن فلان إلى العنوان الذي فيه سيدي ونحوه، وبين من يخالف وصفا آخر مثل كون الألفاظ عربية، أو كونها على رسم كذا، أو مثل هذا اختصاص أهل كل بقعة من بقاع الأرض بلبسة مخصوصة، على هيئة مخصوصة، وثياب مخصوصة،


(١) تقدم تخريجه
(٢) أخرجه أحمد (٤/ ١٢٦ - ١٢٧) وأبو داود رقم (٤٦٠٧) والترمذي رقم (٢٦٧٦) وقال: حديث حسن صحيح.
وابن ماجه رقم (٤٣) و (٤٤) والدارمي (١/ ٤٤ - ٤٥) وابن حبان في صحيحه رقم (٥) من حديث العرباض بن سارية. وهو حديث صحيح