للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من بدع الضلالة، وحصل الغلو في أمور الحق فيها لله أنه لم يجر في تركها، وشرعنا - ولله الحمد - محفوظ، وما زال الخاطر مشغولا من طريق التأول لغالب الأعصر المتقادمة في عدم النكير منهم، بل كونهم ممن يباشر الدخول في هذه الأعراف، وهي من البدع المحذر منها المنهي عنها في هذه الدعوة بأقرب ما باذلته لهم مع قصوري وجهلي بحقائق الشريعة أنه لم يثبت عندهم بدعية هذه الأعراف، وإن هي لم تؤثر عن أهل القرون الممدوحة بالخيرية على لسان خير البرية، فعلها أقل أن تكون من الفعل المباح لا يعاقب فاعله، ولا يثاب تاركه، وأن البدعة المحذر منها، المنهي عنها هو أن يقع من المبتدع زيادة في الدين، أو نقص منه كنفي ما ذكره الله ورسوله، أو إثبات ما لم يذكره الله ورسوله؛ لأن الشرع قد ورد بحصر الواجبات والمحرمات والبدعة التي هي الضلالة المخالفة لما جاء به الكتاب والسنة في العقائد، وتفاصيل الفرائض، وسائر أركان الإسلام فالزيادة في الدين كتفاسير أهل الغلو، وبدع المشبهة، والنقص كرد النص الظاهر.

فهذه البدع ذات الخطر العظيم؛ لأن معرفة البدعة غامض، فما لم يرد في بدعيته الموبقة لفظ مأثور ينبغي التوقف عن الجزم ببدعيته المحذر منها المنهي عنها، وقد يكون من البدع الصلوات التي لم يرد فيها أثر صحيح، ويجعلونها سنة كصلاة النصف من شعبان (١)


(١) قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في "لطائف المعارف" (ص١٤٤): كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها.
وقيل: أنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله منهم ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز، ومنهم عطاء وابن أبي مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة وهو قول أصحاب مالك وغيرهم وقال: ذلك كله بدعة.
واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:
١ - ): أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد، كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن الثياب ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك، وقال في قيامها في المساجد جماعة: "ليس ذلك ببدعة" نقله عنه حرب الكرماني في "مسائلة".
٢ - ): أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعي - إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم - وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى".
وهناك أحاديث ولكنها موضوعة في إحياء ليلة النصف من شعبان.
قال الحافظ أبو الخطاب ابن دحية في كتاب " ما جاء في شهر شعبان ".
قال أهل التعديل والتجريح: ليس في حديث ليلة النصف من شعبان حديث يصح.
انظر "الباعث على إنكار البدع والحوادث " (ص٥٢).
وقد ذهب المحدث الألباني إلى تصحيح الحديث الوارد في فضل ليلة النصف من شعبان بمجموع طرقه، ولفظه: " يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن".
انظر: "الصحيحة" رقم (١١٤٤).