للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسقط (١) لذلك عنه، ومن كان أقدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان ذنبه


(١) متى يسقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
الإنكار بالقلب لا يسقط بحال من الأحوال لكن الإنكار باليد واللسان قد يسقط:
١ - ): إذا تكاثرت الفتن والمنكرات، وهذا على نوعين:
١ - ما يكون في آخر الزمان وهذا النوع هو الذي تحمل عليه كثير من الأحاديث الواردة في العزلة والتي منها:
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وفيه: " يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن".
أخرجه البخاري رقم (١٩و٣٣٠٠ و٣٦٠٠ و٦٤٩٥).
وأخرج أحمد (٢/ ٢١٢) وأبو داود رقم (٤٣٤٣) والحاكم (٤/ ٢٨٢) بإسناد حسن، عن عبد الله بن عمرو قال: بينما نحن حول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ ذكر الفتنة فقال: " إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا - وشبك بين أصابعه - قال: فقمت إليه، فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟! قال: " الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة".
وفي رواية: " تأخذون ما تعرفون، وتذرون ما تنكرون، وتقبلون على أمر خاصتكم، وتذرون أمر عامتكم".
وهو حديث صحيح، أخرجه أبو داود رقم (٤٣٤٢) والبخاري تعليقا رقم (٤٧٩) وابن ماجه رقم (٣٩٥٧).
وانظر: " الإبانة الكبرى" رقم (٧٢٥ - ٧٧٤).
النوع الثاني: ما يقع من الفتن في بعض الأوقات دون التي تقع آخر الزمان.
قال الحافظ في "الفتح" (١٣/ ٤٠) والخبر دال على فضيلة العزلة - حديث أبي سعيد الخدري وقد تقدم - لمن خاف على دينه، وقد اختلف السلف في أصل العزلة.
فقال الجمهور: الاختلاط أولى لما فيه من اكتساب الفوائد الدينية للقيام بشعائر الإسلام وتكثير سواد المسلمين وإيصال أنواع الخير إليهم من إعانة وإغاثة وعبادة غير ذلك.
وقال قوم: العزلة أولى لتحقق السلامة، بشرط معرفة ما يتعين.
قال النووي: المختار تفضيل المخالطة لمن لا يغلب على ظنه أنه يقع في معصية، فإذا أشكل الأمر فالعزلة أولى.
انظر: "فتح الباري" (١١/ ٣٣١ - ٣٣٣)، (باب العزلة راحة من خلاط السوء).
* فمن أشكلت عليه الأمور تعينت عليه العزلة وعليه يحمل اعتزال من ذكر من الصحابة: سعد بن أبي وقاص، محمد بن مسلمة، سلمة بن الأكوع، عبد الله بن عمر، أسامة بن زيد وغيرهم.
وأما من أمكنه معرفة الحق، ولم يتمكن من العمل به، أو أدت مخالطته للناس إلى تكثير سواد أهل الفتنة، أو حملهم له على المشاركة فيلزمه أن يعتزل، ومن عرف الحق ولم يخش تفويت العمل به ولا حملهم إياه في فتنهم ولا إعانتهم عليها، ولم يكثر لهم سوادا، لكنه لو أمر ونهى لم يكن ذلك مؤثرا في حالهم ولا مغيرا لها فالأفضل في حقه العزلة.
أما إذا كان لا يخشى من المخالطة وقوع محظور مما سبق وبقاؤه ينفع الناس فهذا يتعين عليه البقاء وترك العزلة، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المسلم إذا كان مخالطا الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم".
أخرجه أحمد (٢/ ٤٣) (٥/ ٣٦٥) وابن ماجه رقم (١٣٣٨ - ٤٠٣٢) والترمذي رقم (٢٠٣٥، ٢٥٠٧)، وهو حديث صحيح.
وأما الفتن التي لا يعرف الحق فيها من الباطل حيث يلتبس فيها الأمور وهذا الالتباس ناتج عن طبيعة الفتنة وتلونها. . . أو ناتج عن عدم قدرة المعاصر لها من تمييز الحق فيها من الباطل، وأكثر هذا في آخر الزمان، وعلى هذا ننزل كثير من الأحاديث التي. . تحث على العزلة. .
٢ - ): يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حالة العجز الحسي فإن من عجز عن القيام بعمل (طولب به) عجزا حسيا لم يكلف به كمن عجز عن الجهاد لمرضه أو عرجه أو لذهاب بصره أو غير ذلك.
٣ - ): يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما كان في معنى العجز الحسي.
أ): إذا كان يلحقه من جرأته مكروه معتبر في إسقاط الوجوب عنه، يشير إلى ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا: " إن الله ليسأل العبد يوم القيامة، حتى يقول: ما منعك إذا رأيت المنكر أن تنكره؟ فإن لقن الله عبدا حجته قال: يا رب! رجوتك وفرقت من الناس".
أخرجه ابن ماجه رقم (٤٠١٧) وهو حديث صحيح.
وحديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعا: " لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيقه".
أخرجه ابن ماجه رقم (٤٠١٦) وهو حديث حسن.