للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القسم الثاني]

اعلم - أرشدك الله - أن جميع ما ذكرنا لك في القسم الأول - وهم الرعايا - من ترك الصلاة، وسائر الفرائض الشرعية إلا الشاذ النادر على تلك الصفة، فهو أيضًا كائن في البلاد الخارجة عن أوامر الدولة ونواهيها، بل الأمر فيهم أشد وأفظع، فإنهم جميعا لا يحسنون الصلاة، ولا القراءة، ومن كان يقرأ منهم فقراءته غير صحيحة، ولسانه غير صالحة، وبالجملة فالفرائض الشرعية بأسرها من غير فرق بين أركان الإسلام الخمسة وغيرها مهجورة عندهم، متروكة، بل كلمة الشهادة التي هي مفتاح الإسلام لا ينطق بها الناطق منهم إلا على [٨أ] عوج.

ومع هذا ففيهم من المصائب العظيمة، والقبائح الوخيمة، والبلايا الجسيمة أمور غير موجودة في القسم الأول:

(منها): أنهم يحكمون بالطاغوت (١)، ويتحاكمون إلى من يعرف الأحكام الطاغوتية منهم، في جميع الأمور التي تنوبهم وتعرض لهم، من غير إنكار ولا حياء من الله ولا من عباده، ولا مخافة من أحد، بل قد يحكمون بذلك بين من يقدرون على الوصول إليه من الرعايا، ومن كان قريبا منهم، وهذا الأمر معلوم لكل أحد من الناس، لا يقدر أحد على إنكاره ودفعه، وهو أشهر من نار على علم.

ولا شك ولا ريب أن هذا كفر بالله - سبحانه - وبشريعته التي أنزلها على رسوله، واختارها لعباده في كتابه، وعلى لسان رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل كفروا


(١) الطاغوت عبارة عن كل متعبد، وكل معبود من دون الله ويستعمل في الواحد والجمع قال تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) [البقرة: ٢٥٦] وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) [لزمر: ١٧] (أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) [البقرة: ٢٥٧] وقوله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) [النساء: ٦٠].
انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" (ص ٥٢٠ - ٥٢١) للراغب الأصفهاني.