وأما القسم الثالث من الأقسام التي ذكرناها، وهم الساكنون في المدن، فهم وإن كانوا أبعد الناس عن الشر، وأقربهم إلى الخير، لكن غالبهم وجمهورهم عامة وجهال يهملون كثيرا مما أوجبه الله عليهم من الفرائض جهلا وتساهلا.
فمن ذلك: أنهم يصلون أغلب الصلوات في غير أوقاتها، فيأتون بصلاة الفجر حال طلوع الشمس وبعدها، وبصلاة العصرين قريب غروب الشمس، وبصلاة العشاءين إما جمعا في وقت الأولى، أو في وقت الأخرى.
ومع هذا فهم لا يحسنون أركان الصلاة، ولا أذكارها إلا الشاذ النادر منهم، ويتعاملون في بيعهم وشرائهم معاملات تخالف المسلك الشرعي، وكثيرا ما يقع الربا ويتكلمون [١٢ب] بالألفاظ الكفرية، وينهمك كثير منهم في معاص صغيرة وكبيرة، وهم أقرب الناس إلى الخير، وأسرعهم قبولا للتعليم، إذا وجدوا من يعزم عليهم عزيمة مستمرة دائمة، غير منقوصة في أقرب وقت، كما يقع في ذلك كثير.
ومن عدا العامة: فمن لم يكن له اشتغال بالعلم، ولا مجالسة لأهله حكمه حكم العامة في دينه، بل هو واحد منهم، وإن كان له نسب شريف وبيت رفيع.
وربما كان هذا الذي يظن في نفسه أنه خارج من العامة، وداخل في الخاصة متعلقا بشيء من الولايات الدينية أو الدنيوية، وهو يخبط خبط عشواء، ويظلم العباد والبلاد، جهلا منه أو تجاهلا وجرأة على الله.
والواجب على إمام المسلمين - حفظه الله - وعلى أعوانه، افتقاد هؤلاء، والبحث عن مباشراتهم، وعن كيفية معاملاتهم لمن يتولون عليه، أو يتوسطون [١٣] له، وقد يكون بعض هؤلاء المتولين للأعمال، أو المتوسطين على شيء من أهل العلم، وليس كونه من أهل العلم موجبا لترك البحث عن أحواله، والتفتيش عن معاملته لمن هو متول عليهم، أو متوسط لهم، فإن كونه عالما أو متعلما لا يوجب له العصمة، ولا يسد عنه