(٢) قال القرطبي في " المفهم " (٦/ ٢٢٩): قال بعض العلماء: إنما قال ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جهة التواضع، والأدب مع الأنبياء وهذا فيه بعد، لأن السبب الذي خرج عليه هذا النهي يقتضي خلاف ذلك، فإنه إنما قال ذلك ردعاً وزجراً للذي فضل. ألا ترى أنه قد غضب عليه حتى أحمر وجهه - يشير إلى ما أخرجه البخاري رقم (٣٤١٤) ومسلم رقم (١٥٩/ ٢٣٧٣) - وفيه ". . . فغضب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى عرف الغضب في وجهه. ثم قال: لا تفضلوا بين أنبياء الله. . " - ونهى عن ذلك فدل على أن التفضيل يحرم. ولو كان من باب الأدب والتواضع لما صدر منه ذلك. (٣) انظر " فتح الباري " (٦/ ٤٥٢). قال القرطبي في " المفهم " (٦/ ٢٣٠): يحمل الحديث على ظاهره من منع إطلاق لفظ التفضيل بين الأنبياء، فلا يجوز في المعين فيهم. ولا غيرهم، ولا يقال: فلان النبي أفضل من الأنبياء كلهم، ولا خير من فلان، ولا خير من فلان كما هو ظاهر هذا النهي. لما ذكر من توهم النقص في المفضول وإن كان غير معين، ولأن النبوة خصلة واحدة لا تفاضل فيها. . . وإنما تفاضلوا فيما بينهم بما خص به بعضهم دون بعض، فإن منهم من اتخذه الله خليلاً، ومنهم من اتخذه حبيباً. ومنهم أولو العزم، ومنهم من كلم الله على ما هو المعروف من أحوالهم، وقد قال تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) [البقرة: ٢٤٣]، فإن قيل: إذا كانوا متفاضلين في أنفسهم فكيف ينهى عن التفضيل؟ وكيف لا يقول من هو في درجة عليا: أنا خير من فلان، لمن هو دونه على جهة الإخبار عن المعنى الصحيح؟ فالجواب: أن مقتضى هذا الحديث المنع من إطلاق ذلك اللفظ لا المنع من اعتقاد معناه أدباً مع يونس، وتحذيراً من أن يفهم في يونس نقص من إطلاق ذلك اللفظ.