للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على صفة منع الشرع منها، وهي السرف بإخراج جميع المال لم يكن خيراً من هذه الحيثية، وهكذا أمر من أراد أن ينخلع عن جميع ماله أن يمسك عليه بعضه، وهكذا ورد النهي عن التصدق بجميع المال، ومن ذلك حديث: " المتصدق بالبيضة الذهب التي لا يملك غيرها " (١).

وبالجملة فالأدلة على كثرتها تدل على أنه لا خير في السرف على أي صفة كان، ولو قدرنا ورود ما يفيد ثبوت الثواب لمن أسرف في تصرفه فلا ينافي في ذلك ذم السرف، ولكونه غير خير لأنه إذا ثبت له الأجر بالصدقة مثلاً بجميع ماله؛ فقد لزمه الإثم بالسرف الذي ارتكبه، وقد يكون الشيء حسناً من وجه، قبيحاً من وجه آخر، فالسرف لا يكون إلا قبحاً، ولا يكون خيراً قط، وليس من ذلك تأثير الإنسان لمن هو أحوج منه بطعامه، أو بشرابه، أو بثوب من ثيابه التي تدعو حاجته إليها، فإن مثل ذلك لا يصدق عليه معنى السرف لغة ولا شرعاً، أما اللغة فقال في الصحاح (٢): السرف ضد القصد، ثم قال: والإسراف في النفقة التبذير، فهذا معنى السرف، وهو لا يصدق إلا على من


(١) أخرجه أبو داود رقم (١٦٧٤) وابن خزيمة رقم (٢٤٤١) وابن حبان في صحيحه رقم (٣٣٧٢) وأبو يعلى في " المسند " رقم (٢٠٨٤) والحاكم (١/ ٤١٣) والبيهقي في " السنن الكبرى " (٤/ ١٨١) من طرق عن جابر بن عبد الله قال: إني لعند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاءه رجل بمثل البيضة من ذهب قد أصابها من بعض المغازي، فقال: يا رسول الله. خذ هذه مني صدقة، فوالله ما أصبح لي مال غيرها، قال: فأعرض عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاءه من شقه الآخر، فقال له مثل ذلك، فأعرض عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم جاءه من قبل وجهه، فأخذها منه فحذفه بها حذفة لو أصابه عقره، أو أوجعه، ثم قال: " يأتي أحدكم إلى جميع ما يملك، فيتصدق به، ثم يقعد يتكفف الناس! إنما الصدقة عن ظهر غنى، خذ عنا مالك. لا حاجة لنا به ".
وهو حديث ضعيف دون جملة " خير الصدقة عن ظهر غنى. . ".
فقد أخرج البخاري في صحيحه رقم (٥٣٥٦) وأبو داود رقم (١٦٧٦) عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول. "
(٢) (٤/ ١٣٧٣).