للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البحث الرابع: اعلم أيها السائل ـ أرشدك الله ـ أنا قد أوضحنا لك الجواب, وعددنا الطرق الرافعة للإشكال, بحيث إن طريقة واحدة منها تشرح صدرك, وتميط إشكالك, وترفع إعضالك, لأن الأمر الذي سألت عنه وتحيرت قد قاله وفعله الصادق المصدوق ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ.

والعباد مأمورون بقبول ما جاء به, والتسليم له, والإذعان لما دل عليه, فكيف لا ينثلج لذلك خاطرك, وينشرح له قلبك, وأنت واحد من عباد الله ـ عز وجل ـ المخاطبين بقوله سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (١)

وقال سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (٢) الآية.

وما دار في خلدك من استبعاد قيام العمل القليل مقام العمل الكثير فهذا وإن كان مجرد وسوسة شيطانية, وتشكيكات نفسية فقد أخبرناك في البحث الثالث المصدر قبل هذا البحث بما ورد في الشريعة المطهرة من الأعمال التي قام القليل اليسير منها مقام الكثير الخطير من جنسها, فهل بقي بعد هذا إشكال لذي عقل صحيح وفهم رجيح!.

فإن قلت: قد زال عن صدرك الحرج, واتضح لك الأمر, ولم يبقى لديك شيء من هذا الوسواس الذي زينه لك الخناس الذي يوسوس في صدور الناس, فها أنا أزيدك بيانًا, وأورد لك [٤ب] بعد هذه البراهين برهانًا يجتث الإشكال من أصله ويقطع الإعضال من عرقه, وهو ما أخرجه البخاري (٣) ومسلم (٤) وغيرهما (٥) من حديث أبي هريرة قال: جاء الفقراء إلى رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وقالوا: ذهب أهل


(١) [الحشر:٧]
(٢) [آل عمران:٣١]
(٣)) في صحيحه رقم (٦٣٢٩).
(٤) في صحيحه رقم (٥٩٥)
(٥) كأبي داود رقم (٣٤١٢) وقد تقدم.