للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونجت الناهيةُ. واخْتُلِفَ في الثالثةِ هل هلكت لسكوتِها أو نجتْ لاعتزالها وبترك العصيان؟).

وبالجملة فكلام أهل التفسير مختلفٌ في الفرقة الثالثة (١): هل نجت أو هلكتْ؟ ولا حاجة بنا إلى التطويل باستيفاءِ كلامهم [٧ب] لأَن محلَّ السؤال هو في الذين قالوا {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} والاتفاقُ كائن أنهم ناجونَ، وأَن ذلك ليس من التعذير الذي لا يُسْقِطُ الواجبَ، وقد وقع الجواب عن سؤال السائلِ ـ عافاه الله ـ في البحث الأول من الثلاثةِ، وإنما ذكرنا البحثين الآخرينِ ليتضحَ بهما ما حررناه في البحث الأول، لأن سؤال السائل كثر الله فوائده قد تعلق بالآيتين من تلك الحيثية فكان في التعرُّض لتفسيرهما تكميلٌ للفائدة والله أعلم.

حرر في ليلة الاثنينِ من ليالي شهر ربيع الآخر سنة: ١٢١٤هـ.


(١) قال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن) (٧/ ٣٠٧) قال جمهور المفسرين: إن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق وهو الظاهر من الضمائر في الآية، فرقة عصت وصادت، وكانوا نحوًا من سبعين ألفًا.
وفرقة نهت واعتزلت، وكانوا اثنى عشر ألفًا، وفرقة اعتزلت ولم تنه ولم تعص. وأن هذه الطائفة قالت للناهية: لِم تعظون قومًا تريد العاصية ـ الله مهلكهم أو معذبهم على غلبة الظنَّ. وما عهد من فعل الله تعالى حينئذ بالأمم العاصية. فقال الناهية: موعظتنا معذرة إلى الله لعلهم يتقون. ولو كانت فرقتين لقالت الناهية للعاصية: ولعلكم تتقون، بالكاف.
ثم اختلف بعد هذا، فقالت فرقة: إن الطائفة لم تنته ولم تعص هلكت مع العاصية عقوبة على ترك النهي قاله ابن عباس: وقال أيضًا. ما أدري ما فُعل بهم، وهو الظاهر من الآية.
وقال عكرمة: قلت لابن عباس لما قال لا أدري ما فعل بهم: ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم فقالوا: لم تعظون قومًا الله مهلكهم؟ فلم أزل به حتى عرّفته أنهم قد نجوا، فكساني حُلّة، وهذا مذهب الحسن ومما يدل على أنه هلكت الفرقة العادية لا غير قوله: {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا} وقوله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ ....... } الآية.
انظر: (مفاتيح الغيب) للرازي (١٥/ ٣٩).